الى الآن لم يفصح التحالف الشيعي عن الخطوة التالية لمقاطعته جلسات مجلس الوزراء منذ 12 كانون الاول الفائت في حال استمر المأزق الحكومي، وقد احجم فريق الغالبية النيابية عن استجابة مطلبيه للعودة الى حكومة رئيس مجلس الوزراء فؤاد السنيورة. وهو لا يزال يجزم بان لا استقالة، مستبعداً اقدامه على تعليق الوزراء الشيعة الخمسة تصريف اعمال وزاراتهم وانقطاعهم كلياً عن كل ما يتصل بالحكومة. وتالياً فان الحدود الحالية للمناورة تقتصر على الاعتكاف دون التخلي عن خيارات اخرى.

ومع ان اياً في اوساط الغالبية النيابية لا يتحدث عن مرونة منتظرة تحمله على استجابة الشرطين الشيعيين (وهما نفي صفة الميليشيا عن المقاومة، والمشاركة من خلال الاتفاق المسبق خارج مجلس الوزراء)، فان الحسابات الدستورية والقانونية تفتح نوافذ عدة من تكهنات غامضة، قد يكون ابرزها:

- ان تعليق الوزراء الشيعة تصريف اعمال وزاراتهم ينبغي ان يواجه بتكليف وزراء آخرين الحلول محلهم بالوكالة في تصريف اعمال وزاراتهم لئلا تشل مصالح الناس، الامر الذي سيحول دونه رئيس الجمهورية بالامتناع عن توقيع مرسوم بذلك.

- ان استقالة محتملة للوزراء الشيعة سيرفضها السنيورة لاسباب شتى: لان لحود سيرفض توقيع مرسوم قبول الاستقالة، ولانه سيكون من المتعذر احلال وزراء شيعة بديلين من الوزراء الخمسة، ولان رئيس الجمهورية الذي يملك صلاحية التوقيع سيرفض الوزراء البديلين.

- ان استمرار الوزراء الخمسة في اعتكافهم سيجمّد، سياسياً، الكثير من قدرة الحكومة على التحرّك، ولن يكون في وسع الغالبية الخوض في خطة اقالتهم، وان توافر نصاب الثلثين الضروري لهذه الخطوة التي سيرفضها لحود ايضاً كونها تفتح الباب على المجهول القاتم.

في حصيلة الامر، الحكومة الحالية في كماشة تجعل التوصل الى حل مشرّف للفريقين المعنيين بازمتها مستبعداً ما لم يُقدم احدهما على التخلي عن شروطه للآخر، او ان يقدما معاً على تنازل متبادل. لا السنيورة يريد خروج التحالف الشيعي من حكومته لئلا تنهار، ولا التحالف ينوي التراجع عن شرطيه والتسليم للغالبية النيابية بسيطرتها على السلطة التنفيذية. في المقابل، فان رئيس الجمهورية الذي لا يترأس جلسات لمجلس الوزراء لا يشارك فيها الوزراء الشيعة، لا يزال يملك بصلاحية التوقيع المبادرة أو العرقلة. اضف ان استقالة الوزراء الشيعة، وان رفضها رئيس الحكومة، تدفع حتماً الى استقالة الاخير لعجزه عن ترؤس سلطة تنفيذية في غياب ممثلي طائفة كبرى هم الشيعة، ناهيك برهان الغالبية النيابية على استمرار الحكومة الحالية الى حين تنحي رئيس الجمهورية او انتهاء ولايته الممددة لئلا تفقد سيطرتها على ثلثيها.

انه المأزق الذي يضاعف طرفا النزاع من وطأته وخصوصاً في ضوء اتجاهات ثلاثة مستجدة:

اولها، تحوّل الخلاف سجالاً ثنائياً بين رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط والامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله، وكأن كل منهما اضحى رأس حربة المواجهة مع الطرف الاخر. وبات تبادلهما الاتهامات والرد عليها اشبه بمواجهة بين مشروعين سياسيين متناحرين يلغي أحدهما الاخر. وبسجالهما هذا يحصران التشنج بهما دون انتقاله الى الشارع. جنبلاط يقود الشارع السني والمسيحي والدرزي ونصرالله الشارع الشيعي.

وثانيها، ان الرسائل التي تنطوي عليها مواقف نصرالله بدت وكأنها تتركز على جنبلاط، وتحاول ان تحجب الفريق الشريك للزعيم الدرزي في المواجهة وهو رئيس الغالبية النيابية النائب سعد الحريري، في مسعى لحصر الخلاف في نطاق سياسي محض وتجنب اضفاء طابع النزاع المذهبي عليه.

وثالثها، زيارة الحريري لواشنطن واستقبال الرئيس الاميركي جورج بوش له الجمعة المقبل في رد مباشر على اللقاء الذي جمع في دمشق الاسبوع الفائت الرئيس نبيه بري ونصرالله بالرئيس الايراني محمود احمدي نجاد. ومع ان زيارة الحريري كانت مقررة قبل زيارة أحمدي نجاد، الا ان اتصالات متلاحقة ساهمت في استعجال تحديد موعد لاستقبال الحريري في البيت الابيض بغية ان تعكس موقفاً مقابلاً للتحالف الذي اعلنه الفريق الشيعي مع دمشق وطهران. واذ تندرج زيارة الحريري في نطاق تأكيد تمسكه بدعم المجتمع الدولي للبنان في سيادته واستقلاله وانه لا يزال تحت مظلة دولية في مواجهة الضغوط السورية، فان العجلة التي رافقت تحديد الموعد تذكّر باستقبال الرئيس بيل كلينتون المفاجىء الرئيس الياس الهراوي عندما زار نيويورك على اثر حرب "عناقيد الغضب" عام 1996 بعد جهود استثنائية بذلها الرئيس الراحل رفيق الحريري.

ومع ان طرفي النزاع يحاولان تطبيع الوضع الحكومي في ظل اعتكاف الوزراء الشيعة، فلا يستقيل هؤلاء ولا تتصرف الغالبية باستفزاز ظاهر داخل مجلس الوزراء في انتظار التسوية، الا ان اوساطاً وزارية مطلعة تبدي قلقها من الطريقة المتبعة في شل اعمال الحكومة التي تتنظرها استحقاقات ابرزها تشكيلات ديبلوماسية وتعيينات ادارية، ولا سيما في وظائف الفئة الاولى، ومنها: رئيس ومدير عام ومجلس ادارة لمؤسسة كهرباء لبنان (7 اعضاء)، المدير العام لوزارة الاقتصاد، المدير العام لوزارة النفط، رئيس التنظيم المدني، الهيئة الناظمة للاتصالات (5 اعضاء)، الهيئة العامة للطيران المدني (5 اعضاء)، محافظو بيروت وجبل لبنان وبعلبك - الهرمل وعكار (4)، الى خمسة اعضاء في مجلس القضاء الاعلى انتهت ولايتهم القانونية، وبت مصير المديرية العامة لامن الدولة وتنفيذ قرار الغائها. اضف الى ذلك كله حاجة السنيورة الى اجماع حكومي لاقرار الورقة اللبنانية الى مؤتمر "بيروت – 1 " التي لا تكتفي بخطة اصلاحية للوضعين الاقتصادي والنقدي اللبناني، وانما تشمل ايضاً طلب مساعدات وقروض قد تصل الى اربعة مليارات دولار اميركي. وترتب هذه بدورها ديوناً على لبنان ينبغي ان تعوّل على مسؤولية حكومية مشتركة لا تستثني اي فريق.