تخصص الشقيقة «الاقتصادية» صفحة عالية الاعداد حول شؤون الادارة. وكانت صفحة امس تلخيصا لكتاب مانفريد كيتس دوفريز حول الادارة بالارهاب، وكيف يولد الانسان المستبد. ويقول دوفريز اننا جميعا نحمل هذه الجنية فينا. فالاميركيون الذين ذهبوا لعزل صدام حسين ارتكبوا الارهاب نفسه في سجن ابوغريب عندما سنحت لهم الفرصة. ويقول ان صناعة الحاكم المستبد تبدأ دائما «بفساد صغير». «وعندما تكون في موقع سلطة ينظر الناس اليك ويعجبون بك. وتعجب انت بذلك. انه شيء جميل ان يكون هناك من يقول لك انك عظيم، ولكنه خطير. إذ بعد فترة تشعر بأن القوانين قد وضعت للآخرين وليس لك، فتعيش في عالم خاص. ويحاول الذين حولك ان يحموك من المعلومات التي لا تريد سماعها. وهذا امر خطير ايضا ليس في قيادة الدول بل حتى في ادارة شركة صغيرة ايضا».

«العديد من رجال الاعمال مزاجيون ويخاف الناس منهم فيحجبون عنهم معلومات معينة». لذلك يرى دوفريز أن من شروط النجاح في الادارة او الزعامة على السواء «التقييم الذاتي». وهذا ما يغيب دائما عن بال المستبد وسلوكه. فهو رجل لا يخطئ وبالتالي لا يسمح لاحد بمحاسبته ولا هو يحاسب نفسه.

ويقيم دوفريز دراسته على سيرة وتاريخ «شاكا» احد ملوك الزولو، في جنوب افريقيا. فقد كان يأمر بقتل الناس لأي سبب، او بدون سبب ايضا. ويرى ان القاسم المشترك بين المستبدين في التاريخ هو وجود أم قوية ومهيمنة وأب غير موجود او غير حاضر. وهو يفكر في صورة خاصة برجال مثل هتلر وصدام حسين: «ففي بعض الاحيان ـ يحطم القادة انفسهم ولكن بتكلفة باهظة يدفعها الناس. فسقوطهم يدمِّر المجتمع المدني، كما رأينا في حالة شاكا. فبينما اصبح اكثر قوة وطموحا، حلت سلطته محل ما هو صحيح او خاطئ اخلاقيا واصبح الناس ضحايا لمزاجه السيئ. ما هو الحل، في الادارة الاقتصادية او في الزعامة السياسية؟ الحل في «المجلس». ان يكون الرجل محاطا برجال اكفاء وشجعان يقولون له الحقيقة ويشيرون الى اخطائه واخفاقاته وضعفه البشري. أي كما كان يجري أيام روما، إذ كان مجلس الشيوخ يرسل الى مدخل المدينة الهتافين تصرخ في صوت عال: «تذَّكر انك بشر». يتخطى المستبد هذه الحلقة البشرية الضعيفة، فيصدق خياله لا حقيقته. ويسهل عليه الاضطهاد والارهاب والقتل لانه يعتبر انه يحكم بموجب تفويض خارق فوق ارادة البشر. ولا يعود يرى في القتل جريمة بل جزءا من الادارة وضرورات الحكم. ولا يعود يرى في الناس سوى هتافين، جاءوا الى الارض من اجل أن يموتوا في سبيله وأن يعيشوا موتى متفانين أمامه.