أصبحنا بحاجة الى اختراع مقياس قادر على رصد التطورات والمتغيرات التي تفوق سرعتها سرعة الصوت والضوء للتمكن من الامساك بمتابعة التطورات الخطيرة والسريعة التي تحصل في المنطقة ولكن هذا الاختراع مستحيل في علم السياسة والجيوبولتيك والاقتصاد والثقافة فطبيعة هذه الميادين تختلف عن الزلازل مثلا ولا ينفع معها مقياس ريختر حتى ولو كانت تشبه الزلازل واحيانا اشد خطورة منها على البشر في حسابات المستقبل ذلك ان اعادة الإعمار بعد تخريب الدول والشعوب اصعب بما لا يقاس من إعادة إعمار المباني والمؤسسات في المدن والقرى التي تضربها الزلازل والاعاصير‚

وبما انه يستحيل اختراع مقياس ريختر سياسي فلا يبقى لنا الا دراسة الخطوط العامة التي تظهر في ثناياها حركة الزلازل الحاصلة والمرتقبة والاهتزازات الارتدادية الناتجة عنها واول ما يبرز من هذه الخطوط هو ان الاعصار الاميركي مازال يتصاعد منذ 11 سبتمبر 2001 منذ هزة افغانستان الى زلزال العراق وهو اذ يغير من اتجاهاته التكتيكية تقدما وتراجعا الا انه لا يغير من اتجاهاته الاستراتيجية ولقد بات واضحا بقوة انه بعدما انطلق من مركزيه الاساسيين: واشنطن وتل ابيب يريد ان يقوم بحركة لولبية لافتعال مركز انطلاق موضعية تنطلق منها الاعاصير التفكيكية الدينية والمذهبية والعرقية في الشرق الاوسط من اجل اعادة تركيب المنطقة تحت وطأة الاعاصير واعادة بنائها بحجارة ملطخة بدماء ابنائها بما يبقيها في حالة طوارئ مصيرية ولأمد طويل على ابواب التاريخ ونوافذ الجغرافيا‚

تنطبق هذه الصورة على مجمل الاوضاع من حدود الهند الى باكستان الى ايران فالعراق وسوريا ولبنان وفلسطين بمعنى ان المغامرات الامبراطورية الاميركية ستبقى تهدد العالم من خلال ما تفجره من زلازل في الشرق الاوسط سواء تحت شعارات الحرية والديمقراطية والاصلاح ومكافحة الارهاب والملف النووي الايراني او تحت شعارات المجتمع الدولي وتمدين الآخرين واذا شئنا ان ندخل الى التطبيقات السياسية المباشرة فسنرى بوضوح ان العراق غير مقبل على اي نوع من الاستقرار وكذلك سوريا ومثلها لبنان المعرض اكثر من غيره ليكون في موقع المعاناة من ارتدادات الزلازل المشار اليها خصوصا ان خطوط الطائفية فيه هي خطوط زلزالية بامتياز ولا يختلف الوضع في فلسطين عن ذلك فهو بدوره مقبل على انفجار جديد في ظل تغييب أي حل عادل ولو بالحد الادنى‚

نحن بالفعل في كل المنطقة نقع على خط الزلازل الذي اسمه الاعصار الاميركي واذا كان من المستحيل الآن رد الاعصار كليا فانه من الغريب حقا ان تسيطر على الكثير من القوى أوهام التكيف مع الاعصار بدلا من الاسراع في تحصين الوحدة الوطنية داخل كل مجتمع من اجل التخفيف من الكوارث اذ لا ينفع الصراخ شيئا في المستقبل بعد تساقط الاحجار.