لماذا اقتصرت لقاءات الرئيس الايراني أحمدي نجاد في دمشق على الرئيس نبيه بري، والسيد حسن نصر الله؟ وهل وحدهما حلفاء سوريا، دون الآخرين؟ أم وحدهما حلفاء إيران في لبنان؟ لا حاجة للجواب، ما دام باب الاجتهاد مفتوحاً على مصراعيه، ويفسح في المجال أمام كل طرف أن يستنتج ما يريد على هذا الصعيد.

يكفي القول ان الرد جاء هذه المرّة من خلال بيان رئاسي صدر عن مجلس الامن، وكان غنيّا بمضمونه في رسملة قوى 14 آذار، ودعم مواقفها، إن ما يتعلق بالوضع على الصعيد المحلي، أو على صعيد العلاقة مع سوريا، ويكفي القول انه قطع الطريق أمام أي تفاهم لبناني لبناني محتمل حول اعتبار <<حزب الله>> مقاومة، لا ميليشيا، عندما أبدى (مجلس الامن) <<أسفه لكون بعض بنود القرار 1559 لم تطبّق حتى الآن، وتحديداً حل جميع الميليشيات اللبنانية، وغير اللبنانية، وتجريدها من سلاحها>>. وحول التشكيك في شرعية تمديد ولاية رئيس الجمهورية العماد اميل لحود، لجهة التذكير أن من بين البنود التي لم تطبق في القرار، البند المتعلق <<بإجراء انتخابات رئاسية حرّة، ونزيهة، وفقا للدستور اللبناني دون تدخل أو نفوذ خارجيين>>، أو لجهة إبداء قلقه لاستمرار تسلل الاسلحة والافراد من سوريا الى لبنان، أو لجهة الثناء على الخطوات التي اتخذتها الحكومة اللبنانية من أجل استعادة سلطتها كاملة على جميع أراضيها، بما فيها إعلان رغبتها في إقامة علاقات دبلوماسية كاملة، وتمثيل بين لبنان وسوريا، وترسيم الحدود بينهما، والسعي الى حوار وطني واسع، ودعوة الاطراف المعنيين الآخرين، وتحديدا الحكومة السورية، لكي يتعاونوا في هذا الشأن...

أقل ما يقال بأن هذا البيان قد جاء ليعزز سياسة المحاور في البلاد، ويكرسها، كونه يدعم مواقف أطراف ترفض أن يكون لبنان ملحقا بمحور سوري إيراني، وأن تكون ساحته المتراس الاول للدفاع عن أي اعتداء قد يستهدف المفاعل النووي الايراني، على حساب مواقف أطراف آخرين، يطالبون برفض التدخل الاميركي الدولي في الشؤون اللبنانية، انطلاقاً من القرار 1559، وسائر القرارات الدولية الاخرى المتصلة بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، أو بالوضع في الجنوب، لجهة مطالبة الدولة ببسط سلطتها الحصرية.

كان واضحاً أن البيان قد نسف أي احتمال ممكن لقيام مبادرة عربية تعيد صياغة العلاقات اللبنانية السورية، انطلاقا من تدوير الزوايا الحادة، واعتماد الحوار، والسلاسة في مقاربة المطالب اللبنانية لجهة ترسيم الحدود، أو لبنانية مزارع شبعا، أو وقف تسلل السلاح والمسلحين، وإقفال المعابر غير الشرعية، أو معالجة السلاح الفلسطيني خارج المخيمات، أو إعادة النظر في الاتفاقيات غير المتوازنة، أو قيام علاقات دبلوماسية، وفتح سفارات في كلا البلدين...

إن مقاربة هادئة لكل هذه العناوين كانت محتملة في ظلّ جهد دبلوماسي مكثف تقوم به كل من مصر، والامانة العامة للجامعة، والمملكة العربية السعودية لإقناع دمشق، وأيضا بيروت حول ضرورة البت بكل هذه المواضيع عن طريق الحوار الهادئ الرصين، وفي ظل رعاية ومتابعة عربيتين، للوصول الى علاقات مستقرة بين البلدين قائمة على النديّة، والاحترام المتبادل.

إن مطالبة من قبل مجلس الامن الدولي، وبإجماع أعضائه، وبهذا الوضوح، وهذه الحدّة، من شأنه أن يلبّد الأجواء، الملبدة أساساً بين البلدين، ويدفع بسوريا الى المزيد من الممانعة والرفض، ويجعل الجهود العربية أمام وضعية معقدة يصعب معها الدخول في أي تسوية قابلة لبلورة مخارج متوازنة للوضع المأزوم إن على صعيد الداخل بين الاطراف المتباعدين، أو على صعيد العلاقات بين هذا اللبنان بشرعيته الدستورية المتمثلة بالاكثرية داخل الحكومة، أو داخل المجلس النيابي، وبين دمشق؟!

في التقييم الدبلوماسي، هناك كلام يفيد بأن الضحية الاولى لهذا البيان الرئاسي، هو الحوار الداخلي حول <<الحزب>>، هل هو مقاومة أم ميليشيا؟ أما الضحية الثانية فهو المبادرة العربية، وهل ثمة مبادرة بعد المواقف التي حددها هذا البيان؟ وكيف تكون؟ أو من هي الجهة التي عليها أن تقدم تنازلات معينة لرسملة أي مبادرة بين لبنان وسوريا، وتشجيعها على الانطلاق، إذا كان ثمة من يراهن على الدعم الدولي الذي يطالب سوريا بالامتثال، ومن دون شروط للتكيف مع ما تطالب به الحكومة اللبنانية كشكل من أشكال التعاون لقيام علاقات من الند الى الند، قائمة على ما يطالب به القرار 1559، ومن ثم ما حدده البيان الرئاسي بشكل تدريجي سلس؟!

الأخطر من كل ذلك، هو التوجه لتكريس لبنان الساحة، بديلا عن لبنان الوطن، بمعنى أن البيان متشدد، ويستهدف سوريا أولا، ويذكر بما عليها عمله، وفقا للقرار 1559، إن ما يتصل بوقف التسلل، وترسيم الحدود، وخلاف ذلك من المطالب الاخرى... لبناء علاقات متوازنة مع لبنان، أو ما يتصل بتحالفاتها الاقليمية، وقد جاء البيان بمثابة رد فعل أولي على القمة الايرانية السورية التي استضافتها دمشق مؤخرا، والدليل أن الولايات المتحدة، وبريطانيا وفرنسا كانت قد تقدمت بالصيغة النهائية للبيان الى مجلس الامن الدولي، وأجرت اتصالات مكثفة مع كل من روسيا والصين وقطر لإسقاط تحفظاتها عليه، وتوفير ظروف صدوره بالصيغة التي صدر بها، وبإجماع الاعضاء.

وكانت جهات رسمية لبنانية عليا قد تدخلت مباشرة مع كل من روسيا، ودولة قطر (بوصفها ممثل المجموعة العربية الجديد في مجلس الامن بدلا من الجزائر التي انتهت مدّة ولايتها) لحذف المقطع المتعلق <<بإجراء انتخابات رئاسية حرّة ونزيهة...>>، من البيان الرئاسي، وعدم إثارة هذا الملف، في هذا الوقت بالذات، وجرت اتصالات مع بعثة لبنان لدى الامم المتحدة للتدخل حيث بالامكان، للحؤول دون ذلك، كما جرت اتصالات رفيعة مع دولة قطر لهذه الغاية، إلا أن الضغوط الاميركية البريطانية الفرنسيّة المباشرة قد عطلّت هذا المسعى، وأثير الموضوع بالشكل الذي ورد فيه في البيان.
وجرت اتصالات دبلوماسية مكثفة حول البند المتعلق <<بتدفق الاسلحة والافراد>>، حيث تم تعديل بعض الصيغ التي كانت تقول <<بتدفق الاسلحة والافراد من أراضي البلدين، وبالاتجاهين>>، لتصبح أكثر ملاءمة والمصلحة اللبنانية، إذ صيغت وفق الآتي: <<ويلاحظ مجلس الامن مع القلق ما ورد في تقرير لارسن عن تدفق الاسلحة والافراد الى الاراضي اللبنانية، ويثني في هذا الصدد على حكومة لبنان لاتخاذها تدابير لمكافحة هذه التحركات، ويدعو حكومة سوريا الى اتخاذ تدابير مماثلة>>.

الأدهى من ذلك ليس مطلوباً من اللبنانيين إبداء رأيهم في مضمون هذا البيان، وهو بالتأكيد لن يكون موضع إجماع من قبل أحزابهم، وتياراتهم، بقدر ما يكون دافعاً لتعميق الشرخ في ما بينهم. المطلوب أن يأخذ اللبنانيون علماً بأن موقفاً دوليّا متشدداً قد بدأ يأخذ طريقه عبر تشرذم صفوفهم، والدليل أن مجلس الامن قد باشر اعتبارا من يوم أمس مناقشة تقرير الامين العام كوفي أنان حول الوضع في الجنوب، قبيل التجديد للقوات الدولية فترة ستة أشهر قبل 31 الجاري، وقد تضمن التقرير وصفاً دقيقاً لم يكن في بعض جوانبه متسامحاً مع الحكومة اللبنانية التي <<عجزت حتى الآن على بسط سيطرتها الحصرية على كامل الجنوب>>، وربما أفضت هذه المناقشة الى اتخاذ قرار جديد عن مجلس الامن قبل نهاية هذا الشهر يوافق فيه على طلب لبنان بالتجديد <<لليونيفيل>>، ولكن مقابل رزمة جديدة من الشروط المتشددة التي تتصل بشكل أو بآخر بالقرار 1559، وما ذكر به البيان الرئاسي على هذا الصعيد.

يضاف على مظهر الجدية في التعاطي الدولي مع لبنان الساحة، توقع وصول الامين العام المساعد للأمم المتحدة للشؤون القانونية نيكولاس ميشال اليوم الى بيروت لإجراء محادثات مع المسؤولين المعنيين حول طلب الحكومة اللبنانية إنشاء محكمة ذات طابع دولي لمحاكمة المتهمين باقتراف جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري تنفيذاً للبند السادس من القرار 1644 الصادر عن مجلس الامن، والتي تنص: <<يقر مجلس الامن بطلب الحكومة اللبنانية بأن يحاكم من توجه لهم في آخر المطاف تهمة الضلوع في هذا العمل الارهابي أمام محكمة ذات طابع دولي، ويطلب الى الامين العام أن يساعد الحكومة اللبنانية في تحديد طابع ونطاق المساعدة الدولية التي تحتاجها في هذا الصدد، ويطلب أيضا الى الامين العام تقديم تقرير عن ذلك الى المجلس في الوقت المناسب>>.

يحصل كل ذلك والوضع الحكومي لا يزال في حال الاعتكاف؟!