يبدو في ظاهر الأمر، أن التحرك السعودي والمصري تجاه لبنان وتجاه لبنان وسوريا قد خف أو توقف لكن رصد التطورات والاتصالات ودراسة تقاطعاتها السياسية في بيروت، يؤكدان بنسبة كبيرة أن التحرك المذكور لم يتوقف بعد الحملات الاعلامية القاسية التي هاجمت ما صدر في الأصل من مبادرة عربية سواء من الجامعة أو من الرياض أو من القاهرة أو من هؤلاء جميعا في وقت واحد وفي تحرك متناغم.

المشهد اللبناني الراهن هو في ذروة الخطورة لأنه في ذروة التوتر، وهو ينذر بكوارث تتجاوز الجغرافيا اللبنانية الى كل المنطقة في حال لم تنجح مبادرات نزع فتيل الانفجار والعودة الى العقلانية والحوار ولهذا السبب بالذات يلاحظ المراقب الدقيق للأوضاع في بيروت ان التحرك السعودي والمصري، خصوصا السعودية بما لها من تأثير مباشر لمنع الانهيار والانفجار لم يتوقف وإنما غيّر من الأسلوب العلني، واختار الاتصالات الكثيفة الهادئة في محاولة للدخول الى المعالجة بعيدا عن الضجيج الخطير الذي يحصل الآن بين القوى اللبنانية، لا سيما بعد التحريض الاميركي المتواصل ضد المقاومة كما فعل مؤخرا مساعد وزيرة الخارجية الأميركية ديفيد وولش.

ولا شك ان الأزمة الحكومية (بعد اعتكاف وزراء حزب الله وحركة أمل) هي جزء من الأزمة العامة المتعلقة في الجوهر بكيفية اعادة رسم المعادلات الداخلية في لبنان ومعادلات موقع لبنان في المنطقة ولهذا فإن المعالجات تنصب على هذه النقطة الحكومية كمدخل الى غيرها وهنا يظهر على الساحة احتمالان قريبان جدا، فإما عودة الوزراء المعتكفين على قاعدة معالجة سياسية أوسع من مجلس الوزراء وإما تغيير هذه الحكومة كلها، وتشكيل حكومة جديد على قاعدة المعالجة نفسها، تساهم في تنفيس الاحتقان، وتمهيد الأجواء لحوار وطني بين الطوائف اللبنانية يجنب لبنان نارا جديدة لا يحتملها ولا يمكن ان يحتملها على الاطلاق بعدما ذاق اللبنانيون اهوال هذه النيران منذ عام 1975.

وإذا كان لبنان في كل المراحل السابقة قد احتاج الى مبادرات عربية، فإنه اليوم، وأكثر من اي وقت مضى في أشد حاجة الى مثل هذه المبادرات، وقد يكون الوقت ضيقا جدا بحيث يمكن القول انه لا يتجاوز اسبوعين او ثلاثة على أبعد تقدير، فالتطورات تتلاحق بسرعة هائلة، وقد يكون من الصعوبة بدرجة كبيرة معالجة هذا الاحتقان في وقت متأخر، ومن يراجع تاريخ الأزمة في لبنان منذ ثلاثة عقود يدرك بوضوح معنى هذه الحقيقة.