يبدو أن سوريا قررت الذهاب الى الآخر في المواجهة مع المجتمع الدولي بزعامة الولايات المتحدة.

ويعود ذلك الى اسباب عدة منها اخفاقها في التخلص من ضغوط تحقيق اللجنة الدولية في اغتيال الرئيس رفيق الحريري، واقتناعها بأن الاخيرة ستحملها مسؤولية ما لا يزال حجمها ومستواها غير واضحين عن هذا الاغتيال. ومن شأن ذلك زيادة الانهاك الذي تشعر به وكذلك الضعف الذي اصابها على اكثر من صعيد منذ سنوات.

ومنها ايضا معرفتها ان الشارع السوري، وان غير مؤيد بنسبة كبيرة منه للنظام القائم فيها لاسباب قد تكون متنوعة ومتناقضة، معاد للمجتمع الدولي بل لزعيمته الاحادية اميركا بسبب انحيازها الكامل والمزمن الى اسرائيل وتجاهلها التام للمصالح والحقوق السورية بل للمصالح والحقوق العربية كلها وغزوها العراق الذي تسبب بتدميره والذي عرضه ولا يزال يعرضه إما للحرب الاهلية الطويلة وإما للتقسيم.

ومنها اخيرا ادراك سوريا ان ما تعرضه عليها اميركا ليس حوارا متكافئا يأخذ في الاعتبار مصالحها ومصالح اشقائها وجيرانها في المنطقة الى جانب المصالح الدولية المتنوعة، وان ما تنوي البحث فيه معها ليس اعادة ترتيب دورها العربي والاقليمي، بل هو تقليص هذا الدور الى ادنى حد ممكن وربما الى انهائه.

وذلك كله يوازي في رأيها استسلاماً لن تنجو من آثاره هي ونظامها في حال قررت قبوله. ولذلك كان لا بد لها من سلوك الخيار الوحيد المتاح امامها اي سلاح المواجهة.

هل خيار المواجهة هذا حكيم؟

قد يكون هذا الخيار غير حكيم ومتسرع من ناحية المبدأ، يجيب متابعون للاوضاع في سوريا والمنطقة من جهات ديبلوماسية متنوعة، ذلك انه يدفع في اتجاه مواجهة مكلفة لا تستطيع سوريا ان تربح فيها. لكنه وبعد الزيارة الاخيرة للرئيس الايراني الجديد محمود احمدي نجاد لدمشق اعطى دفعا وقوة لسوريا ولنظامها رغم ان تكلفته (اي الخيار) ستبقى مرتفعة. فايران وسوريا يجمعهما حلف استراتيجي او بالاحرى علاقة استراتيجية من زمان وتحديدا منذ خرق الرئيس الراحل حافظ الاسد الاجماع العربي بوقوفه منفردا مع ايران في حربها مع العراق.

والعالم كله يعرف ذلك.

لكن الزيارة الاخيرة المشار اليها كوّنت انطباعا في المنطقة والعالم ان هناك تجديدا للتحالف الاستراتيجي المذكور او تعزيزاً له، وان سوريا لن تقف وحدها في مواجهة المجتمع الدولي وكل خطواته السلبية ضدها بدءا بالحصار والعزل ومرورا بالعقوبات وانتهاء بالعمليات العسكرية اميركية كانت او اسرائيلية.

والمجتمع المذكور، الذي يبدو انه لم يعد يحسب اي حساب لسوريا، يحسب حسابات كثيرة لايران قبل التورط معها في مواجهة عسكرية مباشرة او قبل استدراجها الى مواجهة من هذا النوع عبر استهداف سوريا. واهم دليل على الحسابات الدولية للموضوع الايراني هو اصرار المجتمع الدولي بما في ذلك زعيمته اميركا على مواجهة النظام الايراني وطموحاته النووية واصراره في الوقت نفسه على ايجاد حل لهذه المواجهة بالوسائل الديبلوماسية والسياسية وان من دون اغفال الوسيلة العسكرية، علما ان التلويح بالوسيلة الاخيرة هو نوع من التلويح بوجودها وبامكان استعمالها بغية "اقناع" ايران بتسهيل التوصل الى حلول ديبلوماسية او سياسية او سلمية.

طبعا، لا يرى متابعو الاوضاع في سوريا والمنطقة من الجهات الديبلوماسية نفسها حلا سريعا للمواجهة الايرانية – الدولية، واستطرادا فانهم لا يرون ايضا نهاية للوضع الصعب او المأسوي الذي يعيشه لبنان. اولا، بسبب مشكلاته الداخلية وانقسامات "شعوبه".

وثانيا، بسبب استقواء سوريا بتجدد حلفها مع ايران وقدرتها تاليا على التمسك بمواقفها اللبنانية وعلى استنهاض حلفائها اللبنانيين وعلى منع تطور الاوضاع في لبنان في اتجاه مخالف بل مناقض لمصالحها المتنوعة. وثالثاً، بسبب اقتناع سوريا بان لا مصلحة عند احد في المنطقة والعالم في اي تحرك عسكري خارجي ضدها او في تكوين تحرك داخلي ضد النظام فيها وذلك خوفا من فوضى سياسية وعنفية قد تطاول الكثير من الدول الشقيقة. ورابعا، بسبب اقتناع سوريا بان "الستاتيكو" القائم فيها هو اكثر فائدة للقوى الاقليمية الاساسية التي تجمعها مصالح حيوية واستراتيجية مع اميركا.

ماذا يعني عدم رؤية نهاية للوضع اللبناني الحالي الصعب والمعقد بل المأسوي؟

لا يعني طبعا في رأي المتابعين انفسهم اندلاعا لحرب اهلية جديدة رغم ان اجواءها النفسية قد تكون مهيأة. فالطرف القادر على الحرب بالسلاح الذي يملكه والتحالفات الاقليمية التي تحميه وترعاه والتي تكرست نهائيا في استقبالات الرئيس الايراني نجاد في دمشق ("امل" و"حزب الله" وفصائل فلسطينية رافضة) ليس في هذا الوارد لان ايران ترفض حربا كهذه، ولان ميزان القوى "الطابش" حاليا في مصلحة هذا الطرف القادر لن يبقى على حاله اذا اندلعت الحرب لان الاخرين المتضررين في المنطقة والعالم سيبادرون الى تصحيحه وان تكن النتيجة الحتمية في النهاية تدمير لبنان. والاطراف اللبنانيون الاخرون يؤكدون يوميا عدم رغبتهم في الحرب وعدم سعيهم اليها وعدم قدرتهم عليها.

لكن عدم الرؤية اياه يعني استمرار العمليات العنفية المتنقلة من شخصية الى اخرى واستمرار عدم الاستقرار الامني وعدم الاستقرار السياسي. وفي ذلك ضرر كبير للبنان.

ما الحل اذا؟

تفاهم اللبنانيين، يجيب المتابعون انفسهم، على صعوبته لان لبنان لا يستطيع ان ينتظر في وضعه الراهن سنوات حتى ينتهي الصراع الايراني – الدولي والصراع السوري – الدولي وصراع ديوك الطوائف والمذاهب في لبنان.