في حين تثار مسألة دخول قوات عربية مشتركة الى العراق ، تطالب سوريا بان تكون المساهم الرئيسي في هذه القوات .

ويتبين بوضوح ان الذي وضع المتفحرات في طريق الرئيس الحريري ، انما كان يفعل وعينه على بغداد .

ومنذها لم تكن الغاية من مسلسل الضعوط على سوريا الا جر بشار الاسد الى العودة الى حفر الباطن الى جانب المصريين والسعوديين ودول عربية اخرى ، اما باسم الجامعة العربية واما بصيغة عربية اخرى لن يتأخر الكشف عنها . واذا كان الاميركيون لم يأتوا الى المنطقة وفي ذهنهم العودة على اعقايهم يوما ، بل الاستقرار الذي يضمن مصالحهم ومصالح اسرائيل ، فان هذه العودة تبدو لهم مستحيلة وهم لم يحققوا اية خطوة من مشروعهم بعد .

كما انها تبدو اكثر استحالة اذا ما تمت بوضوح تحت ضغط المقاومة العراقية . لان العودة بالشكل الاول تعتبر فشلا فيما العودة بالشكل الثاني تعتبر هزيمة ، هزيمة لا يمكن الا وان تكون بداية نهاية الامبراطورية .

غير ان الراي العام الاميركي لا يأبه بكل هذه الاعتبارات اذا ما استمرت الخسائر البشرية والمادية في التنامي على يد هذه المقاومة ، فالاميركي ، المبني على ايديولوجية المنفعة ، هو مع الامبراطورية والتوسع العالمي طالما ان ذلك يضمن له مصلحته الفردية وتحسين مستوى حياته ، الا انه لا يلبث ان ينكفىء الى الانعزالية وراء جدار اطلسية ، مطالبا باسنعادة ابنائه اذا ما احس انه مضطر لان يدفع من دمهم او من جيبه وخزانة ضرائبه .

ولذا فان ما من شيء ينقذ الادارة الاميركية من الرمال المتحركة العراقية الان الا ما اطلق عليه اسم العملية السياسية ، وهو يتشكل من شقين : الاول اجراء الانتخابات التشريعية والخروج بهيكل سياسي يحمل الصفة التمثيلية الشرعية ، ليقدم بديلا عن المقاومة العسكرية لا ليكون جناحها الاخر المكمل لها كما في كل حركات المقاومة في التاريخ ، حيث لا يلغي الجناح السياسي الجناح العسكري بل يتعاضدان ويتكاملان . ولانه من الطبيعي والحال هذه ان ترفض المقاومة المسلحة مصادرتها بهذا الشكل فان الشق الثاني ينتقل الى مرحلة لاحقة هي قمع المقاومة العسكرية ، واجبارها على القبول بالصيغة السياسية في ظل الاحتلال .
وهنا لب القضية فلو ان الصيغة السياسية جاءت بعد الاحتلال او بديلا عنه لكان الامر عاديا اذ ان غاية المقاومة المسلحة ليست القتال بحد ذاته وانما طرد المحتل وتفشيل مشاريعه المدمرة للعراق وللمنطقة.

ربما كان العراقيون المنهكون بحاجة عندها الى قوات عربية تساعدهم على ضبط بلادهم واعادة تشكيل دولتهم . لكن هذا الامر ما يزال بعيدا بعيدا حتى في عيون اكثر الناس تفاؤلا . والرهان يدور الان في سياق اخر تماما ، سياق بقاء الاحتلال الاميركي في العراق . اميركا هي الان عاجزة عن الانسحاب عاجزة عن البقاء ، فلا هي تتحمل نتائج الاول ولا هي تتحمل كلفة الثاني .

اذن فالحل الوحيد لضمان بقائها ، ووقف الضغط الشعبي الداخلي المطالب بالانسحاب هو وقف المقاومة العراقية التي تكبدها الخسائر . عندها ينسحب الجنود الى ثكناتهم ، بحماية القوات العربية ، وبسيل الدم العربي - العربي ، فيما يسيل النفط والاقتصاد في جيوب راسماليي المحافظين الجدد كما يسيل السلام والتطبيع مع اسرائيل في نهر التهويد الاقتصادي والثقافي للعراق وللمنطقة .

سوريا تبدو حتى الان غير مستعدة للقبول بذلك ، وثباتها في موقفها يسحب البساط من تحت اقدام الباقين ويعقد المسالة ، من هنا واحد من اسباب اشتداد الضغوط عليها ، وواحد من الاسباب التي تفرض دعم العرب لها في هذه المرحلة.