علي عبدالعال

بدأ السجال السياسي الدائر في لبنان يأخذ منحى جديداً أكثر سفوراً خلال الأيام القليلة الماضية، ومثل الموقف من سوريا نقطة التجاذب بين الفرقاء، وبدا للمتابعين لتطورات الأوضاع أن فتيل الأزمة ينتهي عند شخصين : أمين عام حزب الله الشيعي حسن نصر الله، والنائب الدرزي وليد جنبلاط ، وكلاهما ينطلق من عقيدة وولاءات.

ففي احتفالية أقيمت بضاحية بيروت الجنوبية الأحد 22ــ1ــ2006م، شن نصرالله هجوماً شديداً على القوى المعادية لحزبه ولسوريا معاً قائلاً وبلهجة حادة : إن من يعمل أو يفكر في التخلص من (حزب الله) بالتواطؤ مع الأمريكيين يعتبر "صهيونياً وإسرائيلياً وشارونياً"... وأضاف : "لدينا من الإرادة والعزم والقوة ما يحوّل أحلام هؤلاء إلى أوهام وسراب، ومن يريد التخلص من حزب الله سيندم". وهاجم نصر الله الجهات التي لم تعد ترى في إسرائيل عدواً للبنان. وتساءل : ماذا بقي من عناوين العلاقات الطيبة والجيدة والمتينة مع سوريا، عندما يعلن البعض أن سوريا هي عدو. ونبه على أن هناك من يضع لبنان على فوهة بركان، ويريد أن يفجره.
جاءت تصريحات أمين عام حزب الله بعد سلسلة مواقف عدائية تجاه سوريا أطلقها الزعيم الدرزي، وليد جنبلاط ، ففي مقابلة تلفزيونية اعتبر جنبلاط أن عدوه الآن هو النظام السوري وليس إسرائيل، ووجه انتقادات لاذعة ومباشرة إلى القيادة السورية والرئيس بشار الأسد. وصرح بأنه لن يقبل بأن يكون ما سماه "حلف طهران" على حساب سيادة لبنان وكرامته.

يدرك المتابع لسير الأوضاع على الساحة اللبنانية أن كلا من الرجلين ـ جنبلاط ونصرالله ـ أصبح يمثل الإتجاه المعاكس للآخر.
** فأمين عام "حزب الله" الشيعي حسن نصرالله ـ الحليف القوي لدمشق ـ يرى في الجبهة السورية إمتداد لصمود مقاومته في وجه الاحتلال الإسرائيلي الجاسم فوق التراب العربي والإسلامي، كما يرى في أي تهديد لسوريا تهديداً لأمن المنطقة والعالم العربي، وتهديد لجود حزبه وبقائه واستمراره، ويعتبر الضغوط الخارجية المتواصلة على دمشق استمرار للهيمنة الغربية على المنطقة ـ ممثلة في أمريكا وحلفائها الأوروبيين ـ المتحالفة مع الكيان الصهيوني.
وقد عبر أمين حزب الله عن ذلك بقوله : إن موقف حزبه من سوريا ينبع من قضايا إستراتيجية، أهمها الموقف من الصراع العربي - الإسرائيلي، واحتضان ودعم المقاومة ضد الاحتلال، مشيراً الى أن وجود القوات السوريا في لبنان كان أحد أهم عوامل استقرار لبنان.وقال في مقابلة صحفية : "إننا حلفاء سوريا وأصدقاء لها وسنبقى لإعتبارات استراتيجية، وأشار إلى أن البعض يرى في سوريا عدواً متجاهلاً أن العدو الحقيقي هو إسرائيل".

** ورئيس "اللقاء النيابي الديموقراطي" الدرزي وليد جنبلاط ، لا يجد أي غضاضة في أن يعلن على الملأ أن إسرائيل لم تعد عدو لبلاده وإنما العدو الحقيقي ـ في نظره ـ هي سوريا ونظامها الحالي، وطالب الغرب أكثر من مرة بالعمل على إسقاط الحكم في دمشق كما فعل في بغداد، ويكثر في تصريحاته من استخدام ألفاظ مثل (الاحتلال السوري للبنان) .
وجنبلاط الذي يرى الشر كل الشر ماثلاً في دمشق، يرى الخير كل الخير في تحالفه مع واشنطن ولندن وباريس وكل صاحب خصومة مع سوريا من قريب أو بعيد.

وفي حين لا يجد حسن نصرالله متنفس لأزمته التي يشاركه السوريون والسواد الأعظم من العرب همها سوى إيران وبعض الأصوات العربية المتخوفة على أمن العالم العربي والإسلامي مما يحاك له من قبل دوائر الإستخبارات الغربية. يجد وليد جنبلاط ـ المؤيد من قبل الأكثرية الحكومية في بيروت ـ كل المباركة الغربية كلما ازدادت حدة شتائمه واتهامته لسوريا والموالين لها في لبنان. وفي هذا الإتجاه لا تفتأ الخارجية الأمريكية ـ جرياً على مباديء جنبلاط ـ تذكر أن الرئيس، جورج بوش : "سيعيد تأكيد وقوف الإدارة الأمريكية والمجتمع الدولي إلى جانب حق الشعب اللبناني في تقرير مصيره، وتحقيق استقلاله بعيداً عن التدخلات الخارجية"!!. وذلك بإعتبار لبنان محتلة من قبل سوريا بحسب الرؤية الأمريكية.
وفي حين يتخذ حسن نصرالله من الروابط الأخوية والتاريخية بين الشعبين السوري واللبناني، منطلقاً لجمع اللبنانيين من أجل تقديم الدعم لسوريا خلال هذه الأزمة التي تعصف بها، يتخذ وليد جنبلاط من بعض القضايا الشائكة على صعيد الروابط السورية اللبنانية مزيد من نقاط الضغط على دمشق، وهو ما يجد فيه الغربيون حجتهم في الضغوط التي يمارسونها على سوريا، ومن أخطر تلك القضايا مسألة ترسيم الحدود المشتركة بين البلدين في مزارع شبعا، لما تمثله من تحدي خطير على مستقبل المقاومة اللبنانية ضد الاحتلال الإسرائيلي، ولما تمثله أيضاً من صعوبات لم تستعد دمشق بعد لتحمل أعبائها.. وكأن جنبلاط يضغط على الجرح السوري ليزداد إيلامه.
وحول ترسيم هذه الحدود يرى حسن نصرالله : انه لا يمكن أن يتم ترسيم الحدود في مزارع شبعا مع وجود الاحتلال الإسرائيلي وغياب الدولتين المعنيتين.

وأمام خطورة وحجم الأزمة ـ التي لاتجد من ينزع فتيلها ـ على صعيد الأوضاع بين البلدين وفي المنطقة، سعى الأمين العام لحزب الله إلى حث القادة العرب على التدخل فوجه نداءه إلى السعودية ومصر والجامعة العربية للتدخل. وقال في مقابلة مع صحيفة "الحياة" اللندنية : إننا في حاجة إلى الشقيق ليتدخل بيننا.. وأنا لا أدعو المملكة العربية السعودية أو مصر أو جامعة الدول العربية فقط إلى التدخل بين لبنان وسوريا، أنا أدعوهم اليوم إلى التدخل بين اللبنانيين... الوضع في لبنان سيء وله انعكاسات خطيرة.

تبدو الأزمة بين سوريا ولبنان جديرة بأن يمنحها العرب والمسلمون كل اهتمامهم لما تمثله من خطورة على أمن المنطقة، وعلى مستقبلها، إلا أنه يبقى من المبكر جداً أن نتصور حجم التدخل العربي الحالي قادراً على الوصول بها إلى بر الأمان، نظراً لغياب الإستقلالية عن القرار العربي، وتضارب ما تراه الأنظمة الرسمية من مصالح لها مع هذا الإتجاه.. وأمام هذا وذاك تبقى مصالح الأمة العربية رهينة لأطماع الآخرين ومشيئة الأقدار.