المعركة في بعبدا – عاليه تحسمها أصوات المسيحيين

يحرص اركان قوى 14 آذار ، ولا سيما رئيس "اللقاء الديموقراطي" النائب وليد جنبلاط ورئيس كتلة "المستقبل" النائب سعد الحريري، على ترك اتخاذ القرار في شأن الانتخاب الفرعي في دائرة بعبدا – عاليه لرئيس الهيئة التنفيذية لـ"القوات اللبنانية" سمير جعجع، لأن المقعد النيابي الذي شغر في هذه الدائرة بوفاة النائب ادمون نعيم كان ضمن مقاعد كتلة "القوات" التي يعود لها ان تقرر التوافق على اسم مرشح تزكية مع القوى المعنية في الدائرة، لا سيما "التيار الوطني الحر"، او خوض معركة بالمرشح الذي يختاره جعجع بالاتفاق مع قوى 14 آذار، مع الحرص على ان تكون معركة يتنافس المرشحون فيها بروح رياضية بعيدا من محاولة أي طرف تحويلها معركة ثأر او رد "اعتبار" كما يصفها البعض.

ولقد طرح النائب العماد ميشال عون اسماء ثلاثة مرشحين يمكن التوصل الى توافق على واحد منهم، وهذه الاسماء هي: الدكتور بيار دكاش، المهندس حكمت ديب ونقيب المحامين السابق شكيب قرطباوي. كما ان هناك اسماء مرشحين آخرين مثل النائب السابق صلاح حنين والاعلامية مي شدياق واسماء اخرى بارزة وان يكن بعضها من خارج دائرة بعبدا – عاليه، فيما رشح حزب الوطنيين الاحرار رئيسه دوري شمعون.

والسؤال المطروح هو: هل يمكن تفادي حصول معركة في دائرة بعبدا – عاليه والتوصل الى اتفاق على مرشح تزكية، لأنها ستكون معركة "كسر عظم" مهما كان الكلام على جعلها رياضية، ليس بين العماد عون وجعجع فحسب بل بين النائب وليد جنبلاط رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي والامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله، أي معركة شيعية – درزية على مقعد ماروني، وقد يكون لنتائجها ابعاد سياسية وربما انعكاسات امنية، خصوصا في الاجواء الملبدة في البلاد ومع التوتر الذي يسود العلاقات بين الزعماء المعنيين بالمعركة والتي تجعل التحالفات التي كانت قائمة في الانتخابات النيابية العامة السابقة تتغيّر وتغيّر معها موازين القوى والاحجام.

فالعماد عون يعتبر انه لولا تلك التحالفات لكان فاز عدد من المرشحين على لائحة "التيار الوطني الحر" ولكان المقعد الذي شغر بوفاة النائب نعيم يعود لهذه اللائحة، لا بل ان المجلس الدستوري كان قد قرر الطعن بنيابة عدد من نواب دائرة بعبدا – عاليه لو لم يتم تعطيل دوره، لذلك فانه يعتبر ان المقعد كان من حقه وقد سُلب منه بتكتل كل القوى ضده. فهل يمكن في ظل هذا المناخ التوصل الى اتفاق على تفادي معركة "كسر العظم" التي تعيد الشرخ والانقسام الحاد بين المسيحيين وهو ما ترفضه الغالبية؟

ان محاولات التوصل الى اتفاق على مرشح تزكية تصطدم بالعوامل الآتية:

اولا: ان أي مرشح من المرشحين المطروحين حتى الآن قد لا تنطبق عليه المواصفات المطلوبة ليكون مرشح تزكية، ذلك لأنه اما يكون اكثر قربا من "التيار الوطني الحر" او اكثر قربا من حزب "القوات اللبنانية”.

ثانيا: ان قبول جعجع التضحية بالمقعد، والعائد لـ"القوات"، من اجل التوصل الى اتفاق على مرشح تزكية يفترض ان يقابله العماد عون بأن يترك لجعجع تسمية هذا المرشح الذي يكون مستقلا فلا ينضم الى "كتلة والاصلاح والتغيير" ولا الى الكتلة النيابية لـ"القوات اللبنانية”.

ثالثا: ان اختيار المرشح ليكون مرشح تزكية ينبغي ان يتم على اساس إيمانه بمبادىء 14 آذار ويكون ماضيه شاهدا له بتمسكه بسيادة لبنان واستقلاله وحرية قراره.

ان هذه العوامل وغيرها تتطلب قيام مساع جادة وجدية للجمع بين عون وجعجع من اجل التوصل الى اتفاق على مرشح تزكية وان تساعد على ذلك مرجعيات دينية وسياسية، لأن الاجواء المشحونة في البلاد لا تحتمل خوض معركة "كسر عظم" لا بين الدروز والشيعة ولا بين المسيحيين من اجل مقعد نيابي، خصوصا انه قد يكون لنتائجها ما كان لنتائج المعركة الفرعية التي جرت في الماضي في دائرة المتن بين الشيخ بيار الجميل المدعوم يومها من السلطة في عهد الشيخ بشارة الخوري وبيار اده المدعوم من المعارضة وتحديدا من كميل شمعون وكمال جنبلاط، وقد فاز اده على الجميل بما يقارب 165 صوتا وكان هذا الفوز بداية انهيار ذاك العهد.

واذا كان لكل معركة ظروفها وتحالفاتها وأبعادها السياسية، فما هي ظروف المعركة في دائرة بعبدا – عاليه في حال تقرر خوضها وفشلت مساعي الاتفاق على مرشح تزكية.

يقول المهتمون بهذه الانتخابات ان العماد عون يعتمد هذه المرة على اصوات الشيعة وتحديدا على "حزب الله" وهي اصوات أمّنت الفوز في الانتخابات الماضية للائحة النائب جنبلاط. لكن هل تصب هذه الاصوات مجانا لمصلحة المرشح العوني ام ان "حزب الله" سيجدها فرصة سانحة ليجعل تحالفه مع "التيار الوطني الحر" تحالفا سياسيا وليس انتخابيا فقط كي لا يتكرر مع الحزب ما حصل بتحالفه مع جنبلاط؟ وهل يستطيع العماد عون تحمّل مثل هذا التحالف مع "حزب الله" فيوافقه على ان يظل محتفظا بسلاحه الى ان يتحقق السلام في المنطقة او الى ان يزول خطر اسرائيل على لبنان، خصوصا ان هذا التحالف بات له بعد اقليمي نظرا الى ارتباطه بتحالف سوري – ايراني، الامر الذي يجعل نسبة التأييد المسيحي المرتفعة للعماد عون في الانتخابات العامة الماضية تتدنى، بحيث تعوّض اصوات المسيحيين النقص في اصوات الشيعة؟ ان هذا النقص يقدر بأربعة آلاف صوت، فهل يمكن تعويض هذا العدد من الناخبين المسيحيين لتأمين فوز مرشح "القوات اللبنانية" المدعوم من قوى 14 آذار على مرشح "التيار الوطني الحر" المدعوم من قوى 8 آذار؟

مصادر "التيار الوطني الحر" تقول ان نسبة تأييد المسيحيين لمرشحه رغم تأييد "حزب الله" له وما قد يثير ذلك من هواجس، ستبقى كما هي، وان هي تدنت فستتدنى بنسبة قليلة جدا لن تكون كافية لتقليل حظوظ الفوز. في حين ترى مصادر "القوات اللبنانية" ان موقف الناخبين المسيحيين قد تبدل عما كان عليه في الانتخابات النيابية الماضية بصرف النظر حتى عن تأييد "حزب الله" لمرشح "التيار الوطني الحر" فكيف مع حصول هذا التأييد؟ وان الانتخابات الماضية جرت بوجود الدكتور جعجع في السجن في حين انها تجري الآن بوجوده بحيث تعطي المعركة زخما اقوى خصوصا في الوسط المسيحي.