استيقظ العالم أمس على دوي انفجار هائل. وصفه بالزلزال لا يندرج في باب المبالغة. يمكن القول ان عواصم قريبة وبعيدة استقبلت الحدث بمزيج من الصدمة والارتباك. لم تتوقع «انقلاباً» بهذا الحجم. ثمة من يعتقد ان «حماس» نفسها فوجئت. أخطر ما في الانفجار انه لم ينجم عن زرع عبوة أو تفجير انتحاري. جاء من داخل منطق «النظام الدولي الجديد». النظام الذي يعتبر صناديق الاقتراع صاحبة الكلمة الوحيدة والأخيرة في حسم مسألة شرعية التمثيل. النظام الذي يحض على فتح الصناديق بنزاهة وشفافية واحترام ارادة المشاركين في اللعبة الديموقراطية.

يمكن القول ان «حماس» أظهرت براعة استثنائية. أفادت من عناصر كثيرة. الشيخوخة التي ضربت حركة «فتح» وانهماك بعض باروناتها في شحذ السكاكين داخل أروقة «الحزب الحاكم». التآكل الذي أصاب صورة السلطة بفعل المراوحة وانسداد الأفق وشيوع الفساد. النقمة المتصاعدة بسبب الفقر وارتفاع معدل البطالة والفلتان الأمني.

غياب ياسر عرفات الذي لم يكن حقه في القيادة موضع تساؤل. نهر الشهداء الذي قدمته «حماس» في الانتفاضة الثانية. العمل اليومي اللصيق بالناس في شبكة الخدمات الاجتماعية والصحية. يمكن الحديث أيضاً عن مشاعر العداء المتنامية ضد الولايات المتحدة بعد احتلال العراق. الصحوة الاسلامية وخصوصيتها على خط النار مع الاحتلال الاسرائيلي.

أفاق العالم على دوي هائل. الحدث يعني الفلسطينيين الذين اختاروا طي نصف قرن من هيمنة «فتح» التي أطلقت الرصاصة الأولى. يعني الاسرائيليين في أمنهم وحدود دولتهم. يعني الأردن واستقراره وطموحات «اخوانه».

يعني مصر التي انتهت انتخاباتها الأخيرة برسالة بالغة الدلالات. يعني سورية المتهمة باحتضان «حماس» والمحاصرة بحزمة من القرارات الدولية والتي استضافت حديثاً الرئيس أحمدي نجاد الذي يقترح نقل اسرائيل برمتها الى قارة أخرى. من دون أن ننسى أن خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لـ «حماس» يقيم في دمشق وأنه تحدث خلال زيارته الأخيرة لطهران عن «جبهة واحدة» ولوّح بتوسيع المعركة إذا استهدفت المفاعلات الايرانية.

انتصرت «حماس» ولا يزال من المبكر التكهن بحجم الاشعاعات التي سيطلقها هذا الانتصار في العالم العربي والاسلامي. لكن السؤال هو كيف ستدير «حماس» انتصارها وماذا ستفعل به؟ لا شك ان الحركة أطلقت في الفترة القريبة الماضية اشارات تعكس قدرتها على اتخاذ مواقف واقعية أو شبه واقعية من قماشة التزام الهدنة أو جهودها لتحسين صورتها. لكن «حماس» المقيمة في المعارضة كانت معفاة من الرد عن اسئلة ستجد نفسها مضطرة بعد انتصارها الى الرد عليها.

اسئلة كثيرة.

هل تنوي «حماس» ترتيب المناطق المحررة لتخوض منها حرب إزالة اسرائيل؟ أم انها تقبل التفاوض وكيف؟ وماذا عن الاعتراف بحق اسرائيل في الوجود وهو شرط دولي لقبول «حماس» التي يتعين عليها أيضاً رد تهمة «الارهاب» ودفع ثمن نزعها؟ وماذا عن أوسلو والالتزامات الواردة فيه؟ وماذا عن وعد بوش وشروط بقائه حياً؟ وماذا عن الأمن والرواتب والبطالة والتعددية وحق الاختلاف؟ وماذا عن صدى هذا الانتصار في الانتخابات الاسرائيلية المقتربة؟

أفاق العالم على دوي هائل. كلما فتحت صناديق الاقتراع أطل الاسلاميون، فماذا سيستنتج الغرب خصوصاً ان تجربة «حماس» تعني البحر الواسع وأنها لم تعد قادرة بعد انتصارها على الإفادة من تجربة «حزب الله» في لبنان.