ثمة ظاهرة متنامية، أو بالأحرى حالة متفاقمة في المنطقة تبعث على القلق، بل هي تحمل على التخوف من أن تكون بمثابة المؤشر أو ناقوس الخطر، الذي ينذر بالمزيد من التردي في الأوضاع، وخطورتها تنبع من أنها منتشرة في الساحات العربية المشتعلة أو تلك الواقفة منها على حافة الهاوية، خصوصاً وانها لم تعد قادرة على احتمال المزيد من التعقيدات.

في سلتها، الأمنية والاحتلالية والسياسية، ما يفيض عنها من المعضلات والتحديات، ولكنها تواجه، اليوم، ما يمكن تسميته «بالأزمة الحكومية».

فإما أنها غير قادرة على تركيب تشكيلة وزارية ترضي كافة القوى الفاعلة. وإما أنها تواجه نوعاً من الانشقاق والاعتكاف الحكومي أو أنها تحاصر وتهدد بالعزل قبل ولادتها.

وفي الحالات الثلاث تبدو ماكينة الحكم معطلة، بصورة أو بأخرى، واستطراداً كل شيء مجمد بانتظار حلّ العقدة الحكومية، فيما الاستحقاقات تداهم هذه الأوضاع والتحديات تتكدس في وجهها.

الحكومة العراقية الجديدة، التي كان من المرتقب أن تبصر النور بعد انتخابات ديسمبر الفائت، لا تزال في طور المساومة على صيغة تأليفها. التقارير والتسريبات تشي بأن الطبخة متأخرة.

التخاطب بلغة الشروط والشروط المضادة وضعها على نار بطيئة، مع كل ما ينطوي عليه التأخير الحكومي من تفاقم التعقيد في الملفات العاجلة المطروحة، وبالتالي من تفريخ للمزيد من المشكلات والمخاطر.

الحكومة اللبنانية، وضعها مختلف، لكن أزمتها مشابهة لناحية توقف عجلتها عن الدوران. قسم من الوزراء عازف عن المشاركة في اجتماعاتها منذ فترة. الأمر الذي أدى عملياً إلى توقف العمل الحكومي.

والبلد، كما هو معروف، يمرّ في ظروف دقيقة، أكثر ما يحتاج إليه هو التقارب، لكنه مفقود. والأزمة تراوح مكانها منذ أسابيع. وحتى الآن ليس ما يؤشر إلى انفراج قريب.

الوضع الفلسطيني، يدور هو الآخر في هذا المدار، الانتخابات أدت إلى ما يشبه الانقلاب في التركيبة السياسية. الساحة مقبلة على وضع جديد، العصي بدأت تتحرك نحو الدواليب، ناهيك بسيل الشروط والتهويلات والمطالب المسبقة لتأليف الحكومة الجديدة.

الأمر الذي طرح أكثر من علامة استفهام حول الصيغة المرتقبة والأجواء التي ستحيط بها، فضلاً عما إذا كانت عربة الحكم قادرة على الانطلاق وسط هذه المعطيات، أمامها صعوبات الداخل والخارج ـ الأميركي والأوروبي ـ، وتحديات الاحتلال،.

كما أمامها امتحان الوحدة الوطنية، المطلوب تعزيزها كأحد أهم الأسلحة لعبور المرحلة الدقيقة الراهنة. أو على الأقل عدم مفاقمة اعطابها المزمنة.

الأزمات الحكومية هذه هي واحدة من عوارض أزمة أعمق. أزمة تتصل بالأساسيات والأوليات. تختلط فيها اشكالات الداخل مع دخول الخارج على خطوطها، الأمر الذي زاد من استعصائها وأخطارها. ولا مخرج إلا بصحوة العودة إلى الذات من باب النقد والتصحيح والكف عن ممارسة سياسة الشطب والإلغاء للآخر الموجود على الساحة نفسها.