ماهر سمعان

قد نقول بان العروبة تواجه هذه الايام اخطر الهجمات الهادفة لالغائها في التاريخ, او أنها تتعرض لمؤامرة كبيرة مستمرة منذ ايام الامبراطورية العثمانية ونتابع فصولها الاخيرة الان. فمهما كان من حال التيار القومي في الوطن العربي (والحمد لله اننا نستطيع ان نطلق عليه هذا الاسم حتى الان) فان لذلك اسباب اكبر واعمق في المجتمع والممارسات السياسية العربية.

اذا اردنا ان نتعامل مع العروبة كتيار فكري بشكل عام (وهو اكبر من ذلك طبعا) فإننا لا بد ان نتطرق الى اكبر مثال في تاريخ التيارات السياسية التي تعرضت الى نكسات كبيرة واستطاعت تجاوزها بشكل او بآخر وهو التيار اليساري في العالم والذي انهار بشكل كامل مع انهيار الاتحاد السوفييتي واعاد هيكلة نفسه وأسسه الفكرية ليظهر من جديد في العالم ويشارك بقوة في الحياة السياسية بعد قيامه بجرد لأخطائه القاتلة في تجاربه السابقة.

عندما يصبح بعض السياسيين القوميين على امتداد الوطن العربي قائدا ورمزا ومحاميا وطبيبا اول، وما الى ذلك من المهن المعروفة في المجتمع ... وعندما يصبح الامن القومي هو المبرر الاساسي لاعتقال اغلب المفكرين العرب وتصبح المنطلقات الفكرية لهذه الاحزاب مسلمات بل و مقدسات لا يجوز حتى تفسيرها فانني استطيع القول بان العروبة ليست هي السبب وانما حواملها الفكرية.

ان التيارات والاحزاب والشخصيات السياسية المحسوبة على الفكر القومي العربي مثقلة بالاخطاء المتراكمة منذ بداية التجربة السياسية العربية، التي لم يتكلف أحد عناء اعادة النظر فيها مليا وتصحيحها. ان ابسط ما يمكن ان يقال عن هذه الأحزاب بانها اصبحت من الماضي بفكرها الجامد المتحجر وعدم قدرتها (وربما الأصح أن نقول عدم رغبتها) على التطور. لم يعد لديها سوى ان تقدم تنازلات للخارج وخطابات رنانة تعبوية تذكرنا بالحقبة السوفييتية للداخل دون وجود نظرة مستقبلية او رغبة في الاصلاح والاقتراب من الشارع العربي من جديد.

وليس سقوط هذه الأحزاب في أول انتخابات في العراق بعد صدام امام التيارات الدينية وسقوطها بكل رموزها في الانتخابات المصرية الا مؤشر قوي وواضح على تراجعه... ان الدول التي لا تزال محكومة بنظم تطلق على نفسها اسم القومية العربية ليست مستمرة حتى الان الا بفضل ما تقدمه من التغييرات المطلوبة والتنازلات في ما يتعلق بالسلام والانفتاح الاقتصادي على حساب المصلحة الداخلية وكل ذلك ليس إلا مبررا ليطيل عمر نظامها عام او اعوام اخرى وتنتهي بعد ذلك بدون ان تجد مواطنا عربيا واحدا نادما عليها او على الفكر القومي العربية الذي سيدخل في سبات مزمن.

لا تتوقعوا مني ان اخاطبكم الان قائلا: "انقدوا قوميتنا العربية أيها العرب" او ان العروبة لا تستحق ذلك فلنعمل على احيائها في وقت يعتبر اغلب القوميين العرب بأنها في افضل احوالها... ان الحقيقة هي وحدها التي ستفرض نفسها في النهاية، وإن لم تستطع المجتمعات العربية (وكونها مجتمعات لا مجتمع واحد هو احد اهم نتائج هذه الحوامل الفكرية) ان ترى مصالحها في القومية العربية وان تعود الاحزاب القومية الى رشدها قريبا فلن يكون وطن عربي ولا هم يحزنون.