نجيب نصير

أبتسم كلما طالعتني صفحة مفاجئة من صفحات الانترنت تقول أو تحذر معتذرة بوقاحة خجولة وبأدب صفيق ( لا يمكن عرض أو إظهار هذه الصفحة ) طبعا لأسباب لا مجال لذكرها الآن، ولكن عليك أخي المستخدم ان تمارس المداورة، والمناورة في هذا المقام ليس إلا عدة ضغطات بالسبابة على الماوس وبعد عدة كليكات تظهر لديك الصفحة التي حجبها عنك المخدم، الذي حول المعلومة التي قد تكون بلا قيمة أو أهمية إلى بيضة الديك ومع علمه الأكيد ان لأي مبتدئ القدرة على الدخول إلى أي صفحة أو موقع يشاء، أي ان هناك عمل ما جرى دون طائل، وهناك جهود بذلت دون داع … وماذا بعد ؟ إلا جملة فانتازية متناقضة يرددها أي كان … انه انترنت متخلف … كيف انترنت ؟ وكيف متخلف ؟ .. انه وببساطة يكرر نفس الخطأ الكبير الكامن في نظرتنا للحداثة، أي استجلاب المكنة عارية عن قيمها، أي إزاحة أية بنية عقلية يمكنها التأسيس للتفاعل بين الأداة المعاصرة و الإنسان بوصفه إمكانية اجتماعية، لذلك يمكننا وببساطة نفي الأسماء عن الأدوات المستجلبة لأنها لا تقوم بالمهام التي وجدت من اجلها، كما يمكننا استخدام كلمة تقريبا عنها، فهذا تقريبا كومبيوتر وهذه تقريبا سيارة وتلك ما يشبه الجامعة وذاك سوف يتحول إلى مشفى في الزمن القادم !!! طبعا لن يتغير شيء وسيتراكم السلبي إلى ملا نهاية له لأن التأسيس للايجابي منقوص واشوه، بل الانكى هو شرعنة وتبرير وربما مديح هذا النقص والتشوه لصالح أي شيء، عدا الرؤية الحقيقية للأدوات وبنيتها ودورها.

ان تراكم النقص هو عملية تربوية اجتماعية تعود إلى إنتاج النواقص والمحذوفات من أية أداة معاصرة متكئة إلى تنظيرات أما بهلوانية بلهاء أو إلى قيم شديدة التراثية خائفة على هوية أو خصوصية مهلهلة ضعيفة لا تقو على إيجاد مكان لها بقوة حقيقتها، وبالتالي اللجوء إلى إيجاد تبريرات للفشل حتى قبل ممارسة العمل المؤدي للنجاح، فتظهر تنظيرات أنهم يكرهوننا، أو الغزو الثقافي، أو المؤامرة مستمرة الخ الخ، ولكن الحقيقة هي انه لم يتم استغلال الأداة المعاصرة ببنية مناسبة لها عبر تربية اجتماعية تشوهت وتدجنت لدرجة أنها لا تحتمل قبول الأدوات المعاصرة كما هي لأن عليها استحقاقات تتطلب الخروج على التنبلة الفكرية وأضحت تمارس الأداة ونقيضها في آن واحد بقوة تدميرية شامتة من ذاتها ومعيبة على الآخرين انسجامهم مع الأداة ومشاكلها.

مع تقدم الزمن ننجر رويدا حسب قياسنا للزمن، وبسرعة حسب الإنجازات المعاصرة، إلى ممارسة الشيء ونقيضه في حملة تدمير ذاتي لا تقينا الأسوأ.. ولكن بالتأكيد تبعد عنا وتبعدنا عن الأحسن، كأن نمارس الحداثة بتراثية مفرطة، أو الانترنت بعقلية الكتاب والتلفزيون بعقلية المنادي والصحافة بعقلية العرضحالجية.. حيث لا مسافة يصنعها الارتقاء، ولا الأبيض متميز عن الأسود أو غيره من الألوان ……. الخ