المنظمة العربية لحقوق الإنسان :

المكتب القانوني :

مقدمة لا بد منها :

تستهل المنظمة العربية لحقوق الإنسان وهي تعرض للمواطن والمسؤول في الوطن السوري أن توضح قضيتين أساسيتين .

الأولـى : أنها عندما قررت التصدي وكشف انتهاك لحقوق ’المواطنين والوطن ’فإنها قبل أن تقوم بنشره تتوثق من كافة المعلومات بل وقد تحيله أحيانا إلى حد أعضائها الذين يتمتعــون بخبرة " علمية وفنية " بقصد ابداء الرأي وتوثيق الانتهاك.

الثانية : أنه يجب أن يدرك طرفي الجهة التي يتم مخاطبتها وهما " المواطن والوطن " كجهة أولى والمسؤولين بأعلى مواقعهم كجهة ثانية من أن المنظمة تقف بسوية واحدة بينهما فواجـب المنظمة تجاه " المواطن والوطن " أن تكشف وترصد حالة الانتهاك وواجبها تجاه الجهة الثانية تقديم كل الحقائق الغائبة حينا أو المغيّبة " عادة " لقصد معالجتها واتخاذ التدابير اللازمة لذلك.

وإذ تؤكد المنظمة أيضا أنه ليس فقط حيالة الانتهاك السياسي هي الحالة اليتيمة التي تتصدى لها , إذ أن سرقة المال العام وتخريب المرفقات العامة هما حالة انتهاك أخلاقي أولا وقانونـي ثانيا نصت عليه قانون العقوبات العامة والقوانين الأخرى سيما قانون العقوبات الاقتصادي في مواده /10 ـ 12ـ 18 ـ 25 /.

والمنظمة إذ تعرب عن شكرها لجميع الذين زودوها بكامل الوثائق بغية توثيق الوقائــع وطرحها إلى من هو في موقع اتخاذ القرار لتحويل هذه الشكوى من مجرد فعل جريء إلـى قضية وطنية وأخلاقية وحقوقية.

...

لعل ما أحدثه مقالنا منذ أسابيع حول مجلس نقابة المقاولين في محافظة حلب وآثار هذا الموضوع من نتائج هامة تمثلت بإحالة جميـــع أعضاء مجلس نقابة المحاولين إلى قضاء التحقيق بتهمة سرقة المال العام والتزوير , قد دفـع بالشاكين واثقين بجدية تعاطي المنظمة للقضية من حيث الطرح والمتابعة والمعالجة , حيـث قدمت كافة الوثائق لها وتم حفظها .

ويبدو أن السيد وزير الإسكان والتعمير نهاد مشنطط يبرز مرة أخرى في هذا الملف الذي نتصدى له الآن إنما مع مدير مؤسسة المياه في محافظة حلب ومعاونيه.

ونعرض تباعا وبأمانة موثقة القضايا التالية :

أولا : " العقد رقم /114/2002 "

موضوع العقد : تقديم وتجريب تجهيزات ميكانيكية وكهربائية لمشروع الشيخ نجار فــي محافظة حلب .

قيمة العقد : 67 مليون ليرة سورية

مدة التنفيذ : 180 يوم

حيث تجلى الفساد والنهب في هذا الموضوع من جوانب متعددة نعالجها تباعا بالآتـي :

ـ هناك مخالفات مقصودة حول الإعلان باستدراج العروض :

وثبت ذلك بقيام المدير العام لمؤسسة المياه بتوجيه كتاب إلى المدير المالي لديه طالبا منـه باستدراج عروض داخلي وبذلك يكون المدير قد خالف وتجاوز ما هو مؤكد من أن يكــون استدراج العروض خارجي وليس داخلي .

ورسى العقد على مقاول سوري ادعى بأن كافة القطع التي قدمها للمشروع ذات منشــأ ألماني دون أي إثبات .

بل ويؤكد ذلك عدم استطاعة المتعهد تقديم القطع التبديلية الأساسية لها .

كما تعهد المتعهد بتقديم مضخات تحلية صنع ألمانيا إلا أنه لم يحضرها وهذا مخالف لدفتر الشروط .

كما تعهد أيضا بتقديم لوالب صنع ألمانيا كذلك لم يقدمها .

الأمر الذي يثبت هنا بتواطؤ المتعهد الكامل مع اللجنة الفنية التي قيمت العروض وأكثـر تجلي ذلك التواطؤ تمثل في الكشف التقدير السري للجنة .

حيث ثبت مثلا : أن قيمة مجموعة الضخ الأفقية في العقد 13.399.800 مليون بينما في الكشف التقديري 10.462.500 مليون .

أي أن سعرها في العقد أعلى من سعرها في الكشف وهذا مخالفة ثابتة .

وثبت أيضا بمخالفات جمة وقعت عند توقيع اللجنة لمحضر الاستلام البدائي إذ على المتعهد الالتزام بتقديم جميع المواد التي التزم بتقديمها .

فعندما اجتمعت اللجنة بتاريخ 27/7/2003 لاحظت نقص في العديد من القطع الأساسيــة التي كان ينبغي على المتعهد بتقديمها وفق ما نص عليه العقد مثل المصافي ووصلات التركيب لكن مع ذلك اقترحت اللجنة بصرف 80% للمتعهد من قيمة المواد دون حسم لقيمة تلــك النواقص :؟

كذلك قامت لجنة الاستلام بصرف قيمة البند " القسم الكهربائي لمجموعات الضخ والتوليـد كاملا وقيمته أكثر من تسع ملايين ليرة .

رغم أن المتعهد لم يقدم المواد الأساسية لهذا البند ولم يتم حسم قيمة تلك النواقص أيضا .

إن ما سلف ذكره يؤكد التواطؤ المطلق بين المتعهد وكل من المدير العام والمدير المالـي وأعضاء اللجنة التي قامت بالصرف .

ثانيا : عقد منطقة كفر حمرة في محافظة حلب حمل رقم 26/2005 .

كلف الدولة هدر 8 مليون ليرة سورية وقد تجلى ذلك في الآتـي :

بتاريخ 11/5/2004 أعلنت مؤسسة المياه بحلب عن إجراء مناقصة لأعمال تحسيــن وتوضيع واستبدال شبكة مياه الشرب في قرية كفر حمرة بقساطل من البولي ايتيلين وذلـك بموجب الإعلان رقم 77/2004 .

حيث نص الإعلان على أن تقدم العروض بتاريخ 13/6/2004 وإن تفض تلك العروض في صباح اليوم التالي .

وقد تقدم للمناقصة أربع متعهدين حيث رسى العقد على المتعهد السيد عمر شعبوق بقيمة /34/ مليون .

أرسلت إضبارة العقد إلى دمشق للتصديق الذي من المفترض أن يتم خلال خمسة عشـر يوما وذلك من أجل تكليف المتعهد ببدأ الأعمال إلا أن ذلك لم يحدث.

حيث بقي العقد أكثر من /90/ يوما دون تصديق !!؟؟

مما أعطى الحق للمتعهد بفك الارتباط بينه وبين المؤسسة وتم إعادة التأمينات الأولية له وتم بذلك تفشيل المناقصة .

والسبب في ذلك يعود كما ورد عن لسان مسؤول في الوزارة إلى غلاء أسعار قساطـل البولي ايتيلين كما ادعى المتعهد بعد توقيع العقد .

والسؤال هنا : لو رخصت الأسعار بعد توقيع العقد فهل يتم إفشال المناقصة أم أن الدولة هي دائما سوف تتحمل الخسارة .

لذا قامت الوزارة بالإعلان عن مناقصة جديدة ورست المناقصة على متعهد جديد / وليـد نعسان / لكن بمبلغ /42/ مليون .

والسؤال هنا أين مسؤولية القائمين على ذلك .

ثالثا : والأهم مما ذكر آنفا نعرض الآن موضوع قيام وزير الإسكان والتعمير بالتستر على الفاسدين في مؤسسة المياه وقبل أن يتضلل رئيس الجمهورية شخصيا .

نتيجة للشكاوي الكثيرة المرسلة لرئاسة مجلس الوزراء والتي تتحدث جميعها عن وجـود فساد وهدر لأموال الدولة وسرقات في مؤسسة مياه حلب فقد أصدر مجلس الوزراء بتاريـخ 13/12/2003 القرار رقم /9239/ المتضمن صرف مدير عام مؤسسة مياه حلب المهندس وريف الشعيبي من الخدمة .
كما أصدر رئيس مجلس الوزراء بتاريخ 8/10/2003 القرار رقم /8807/ المتضمـن تشكيل لجنة برئاسة وزير الدولة حسام الأسود مهمتها الاطلاع على الهدر والخلل الموجود في مؤسسة المياه بحلب ومحاسبة الفاسدين .

هذا وقد اجتمعت اللجنة بتاريخ 20/12/2003 بحضور محافظ حلب وبعد اطلاعها علـى واقع المؤسسة ثبت لديها بأن هناك فساد وسرقات وهدر لأموال الدولة حيث أحالت تلك اللجنة كافة الشكاوي إلى وزير الإسكان والتعمير نهاد مشنطط لمعالجتها حيث تم تصديق هذا المحضر من رئيس مجلس الوزراء .

وبتاريخ 3/4/2004 ترأس وزير الاسكان والتعمير مشنطط اجتماعا في مبنى مؤسسة المياه حيث أكد بعد اطلاعه على واقع المؤسسة بوجود الهدر والفساد ووعد بمحاسبة المسؤولين .

والذي حدث أن سيادة الوزير قام بنقل جميع الموظفين الذين أشاروا إلى الخطأ والذيــن قدموا له ملفات الفساد .

وأصدر القرار رقم /4339/ تاريخ 268/2004 القاضي بتسليمه المهندس عدنان سواس مديرا للاستثمار والصيانة في المؤسسة علما أن المذكور محال إلى محكمة الأمن الاقتصادي ومحجوزا على أمواله !؟

... وفي جانب آخر كذب السيد وزير الإسكان والتعمير على سيادة رئيس الجمهورية وقام بتضليله وتجلى ذلك في التالي :

... بتاريخ 17/7/2004 قام السيد رئيس الجمهورية بتدشين مشروع الجر الرابع في محافظة حلب وأن عبارة " تدشين " تعني أن كافة أقسام المشروع جاهزة إلا أن للحقيقة وجه آخر .

إذ أن قسم الصافي العائد لمشروع الجر الرابع الذي تم تدشينه من قبل السيد رئيــــس الجمهورية لم يكن جاهزا أثناء التدشين ومع ذلك قام الوزير بتدشين المشروع وضلل السيـد رئيس الجمهورية عندما أعلمه بأن كافة الأقسام جاهزة وأن المياه القادمة إلى حلب هي مـن المشروع الرابع إذ ثبت لدينا أن الفلاتر العائدة لمصافي المشروع الرابع لم تكن جاهزة ولـن تنجز حتى 5/8/2004 في حين التدشين تم بتاريخ 17/7/2004 .

أكد السيد معاز درويش وهو مدير الرقابة الدالية في الوزارة أن المشروع لم يكن جاهـزا أثناء التدشين وأن المياه لحظة التدشين لم تأتي عبر أقسام مشروع الجر الرابع ونتيجة لتلــك الإفادة قام وزير الإسكان مشنطط بنقله تعسفيا إلى خارج الوزارة بعد أن أعفاه من منصبــه علمـــا أن المهندس مصطفى حاج مرعي المسؤول في تنفيذ المشروع راسل الوزارة مؤكدا أن قســـم المصافي لم تكن مستثمرة أثناء التدشين .

ومع كل ذلك قام الوزير بتضليل السيد الرئيس عندما أعلمه أن المشروع جاهز وتم تدشينه .

ومزيدا من التدقيق في هذا الملف تبين أن مادة رمل المصافي الخاص بالمشروع كانــت مخالفة فنيا لشروط العقد إذ أن متعهد هذه المادة السيد جمال علي بن علي التزم بجلب الرمـل مغسولا حتى يحقق جدواه إلا أن ذلك لم يحدث وتلك مخالفة جوهرية للعقد ولها آثار سلبية من الناحية الصحية مرورا بالتربة وانتهاء بالكائن الحي .

ومع ذلك تم استلام الرمل من لجنة الاستلام رأسها المهندس عامر حمدان علما أن قيمة هذا العقد بلغت /35/ مليون ليرة سورية .

ونتيجة لقيام أحد المهندسين بالإشارة إلى تلك المخالفة أصدر السيد الوزير قرارا بنقل ذلك المهندس من مؤسسة المياه بحلب إلى الشركة العامة للمشاريع المائية.

... وبعد :

إن ما تم طرحه لا يمثل كل الوثائق التي تمتلكها المنظمة العربية لحقوق الإنسان إنما تكتفي المنظمة بطرح هذه الإشكاليات لتسلط الضوء على الفساد المستشري والمتجزر بين أقطـاب وزارة الإسكان والمرافق وإذ تؤكد المنظمة أن المبالغ التي تم هدرها أو اختلاسها منـــذ الأعوام الأربعة الماضية بلغت أكثر من مائة وثمانون مليون ليرة سورية .

وتتسائل المنظمة عن آليات محاربة الفساد التي قررت انتهاجها الحكومة هل هي آليــات ناجعة أم هي مجرد برنامج عمل لم يأتي وقته أم هي وللأسف مفردات خطاب جديدة ليسـت أكثر .

إن المنظمة العربية لحقوق الإنسان تضع هذا الملف بين أيدي المسؤولين والفاعلين بغيـة الحد من ذلك النهب والهدر الذي يتضرر منه الوطن قبل المواطن , وإذ ترى أن سلوك سبيل المحاسبة الهرمي هو الأسلوب الصحيح والغباء آخذين بعين الاعتبار أن الجميع تحت سقـف القانون وللقانون كلمة وفعل ...