عندما فتح رابين قناة حوار سرية مع منظمة التحرير الفلسطينية لم يكن يعترف بها ولا بفلسطين، وكانت النتيجة اتفاقات أوسلو، التي اعترفت المنظمة فيها بإسرائيل، واعترفت بدورها بسلطة فلسطينية، لكنها لم تعترف بفلسطين، واليوم بدأت ملامح معركة ’’شرعية’’ ستخوضها حماس وإسرائيل، بعد أن وجدتا نفسيهما وجها لوجه! حجة إسرائيل في عدم الاعتراف بحماس، أن الأخيرة لا تعترف بها، ويدعو ميثاقها لإزالتها عن الخريطة، لأن فلسطين من البحر إلى النهر، وخطاب القادة الإسرائيليين يقول أنه لا يمكن التعامل مع منظمة ’’إرهابية’’ تحارب إسرائيل، وتدعو لإزالتها، أما خطاب حماس المقروء في سياقات تصريحات قادتها الحديثة خاصة بعد فوزها في الانتخابات التشريعية، فيمكن أن يفهم منه أنها غير مستعدة في هذه اللحظة على الأقل لتقديم ’’تنازلات’’ مجانية، كأن تعترف بإسرائيل وتعلن استعدادها للتفاوض معها، وهو موقف سليم، ويجب أن نشد عضدها به، فضلا عن أن حماس ليست بحاجة لاعتراف إسرائيل بها، أو منحها ’’شرعية’’ لن تضيف إلى شرعيتها الحقيقية شيئا، التي تستمدها من شرعية مقاومة الاحتلال، وتأييد الشارع الفلسطيني والعربي والإسلامي لخياراتها ورؤيتها في التعامل مع إسرائيل، وحتى حين يفتح ملف الاعترافات والشرعيات بين حماس وإسرائيل، فإننا لا نتوقع أن يتم تكرار صورة الاعترافات المتبادلة بين فتح ومنظمة التحرير من جهة، وإسرائيل من جهة ثانية، فحماس ليست بحاجة لاعتراف من إسرائيل، بل فلسطين هي من تحتاج لهذا الاعتراف، بمعنى أننا نتوقع أن تطلب حماس الاعتراف بفلسطين، وليس بحماس، مقابل ’’اعتراف’’ من نوع ما بإسرائيل، والمسألة الأخيرة شائكة جدا، ومؤجلة الآن، رغم أن لدى الاسرائيليين حلا لها لم يطرح بعد ولم يعلن عنه، وإن تم بحثه من قبل مجموعة باحثين إسرائيليين في معهد ’’رئوت’’ (رؤيا) للتفكير الاستراتيجي، حيث نصحوا حكومتهم بالتعاون مع حماس وألا تتمسك بموقفها المعلن برفض التعاون مع ممثليها الفائزين بالإنتخابات، بل أن تتعاون وتتفاوض معهم، لأنهم سيكونون أفضل لإسرائيل من ممثلي حركة فتح. المقترحات تضمنتها دراسة عرضها البروفسور جيدي غرينشتاين في اطار بحوث مؤتمر هرتسليا للحصانة القومية، وجاء فيها أن السلطة الفلسطينية بقيادة حركة فتح أثبتت انها ليست جاهزة للتسوية النهائية للصراع مع اسرائيل.

ولذلك فإن اقامة دولة فلسطينية الى جانب اسرائيل، لن تتم في هذه المرحلة برضى الفلسطينيين، وطالما انه لا يوجد بديل آخر لدى الحكومة الاسرائيلية، فلا بد من التوجه الى تسوية مرحلية طويلة الأمد (وهو التعبير الذي كان يستخدمه أرييل شارون، رئيس الوزراء الاسرائيلي طول الوقت)، تتمثل في اقامة دولة في حدود مؤقتة. وتقول الدراسة إن قيادة السلطة الفلسطينية بقيادة فتح لن توافق على هذه الدولة وانه في حالة قيامها، فإن فتح ستسعى الى مواصلة العراقيل، وأما حركة حماس حسب قوله فسترحب بهذا الحل بكل قوتها، لأنها ستجد فيه مخرجا لأزمة موقفها السياسي الحالي وستجد فيه مبررا معقولا لمواصلة التمسك بالشعار القائل ان المشروع التحريري الفلسطيني يقوم على مبدأ تعدد المراحل، وان هذا الاقتراح لإقامة الدولة المؤقتة، هو مرحلة أخرى في مراحل التحرير، ولهذا فإن من الخطأ إغلاق الباب أمام حماس منذ الآن، ومقاطعتها لن تفيد اسرائيل بشيء، بل ستؤدي الى انفجار جديد في المنطقة، والتفاوض معها سيوقف مسلسل العنف ومهما يكن من أمر، فالأيام القادمة حبلى بالمخاضات والمفاجآت، لكن المهم هنا أننا على ثقة أن حماس لن تخذل شعبها ولا أنصارها في أركان الدنيا الأربعة.