قبل الانتخابات التشريعية الفلسطينية بمدة قصيرة ابلغت السلطات الاردنية المعنية الى الادارة الاميركية معلومات تشير الى ان حركة المقاومة الاسلامية "حماس" ستحقق فوزاً كبيراً في هذه الانتخابات. وقبل الانتخابات نفسها ابلغ قادة الاجهزة الامنية في السلطة الوطنية الفلسطينية الى اركانها وفي مقدمهم رئيسها محمود عباس (ابو مازن) المعلومات نفسها. وقد دفع ذلك الرئيس الفلسطيني الى الاتصال بالمسؤولين المعنيين الكبار في واشنطن واطلعهم على هذه المعلومات وتشاور معهم في افضل الطرق للحؤول دون فوز "حماس" وتيارها او بالاحرى لجعل هذا الفوز محدودا. ويقول بعض مصادر المعلومات في العاصمة الاميركية ان اقتراحا بارجاء الانتخابات التشريعية قد تم البحث فيه تلافيا لوصول "حماس" الى المجلس التشريعي وتاليا الى السلطة التنفيذية اي الى الحكم عبر الحكومة التي يفترض تأليفها بعد الانتخابات وفي ضوء نتائجها. لكنه لم يلق القبول وخصوصا من الرئيس الاميركي جورج بوش اذ اصر انطلاقا من ايمانه بمشروع تعميم الديموقراطية في الشرق الاوسط على اجراء الانتخابات في موعدها. وقد دعمه في موقفه هذا عدد من مستشاريه الكبار الذين اختاروا على ما يبدو تصديق استطلاعات الرأي الفلسطينية والاسرائيلية التي اجمعت او كادت ان تجمع على ان حركة "فتح" العمود الفقري للسلطة الوطنية الفلسطينية ستفوز على حركة "حماس" وان بعدد قليل من المقاعد.

ماذا سيكون اثر فوز "حماس" على السياسة الاميركية حيال الموضوع الفلسطيني؟

يعتقد متابعون عن قرب للادارة الاميركية ونشاطها واسلوب عملها ان هناك صفة مشتركة بين الرئيس جورج بوش وعدد اخر من القادة في العالم الحلفاء له والمعادين وفي مقدمهم الرئيس السوري بشار الاسد، وهي رفض الاعتراف بارتكاب اخطاء. ويعتقدون ايضا انطلاقا من ذلك ان بوش سيستمر في الدفع وربما في الضغط في اتجاه الديموقراطية في العالم وخصوصا في الشرق الاوسط. والمقلق في هذا الامر انه قد لا يجري مراجعة للسياسة التطبيقية لايديولوجيا نشر الديموقراطية كما انه قد لا يحاول معرفة التطورات التي ستنتج من هذه الديموقراطية رغم ان بعضها قد يكون سلبيا لبلاده ومصالحها. الا ان السؤال الذي يطرحه هؤلاء المتابعون على انفسهم هو: هل يستطيع "الاسلاميون المتطرفون الفلسطينيون" الفائزون في الانتخابات التشريعية ان يؤلفوا حكومة وان يديروا بلدا او "دولة" من دون ان يحظوا بدعم والتزام قويين من الرئيس الاميركي ومن خليفة ارييل شارون في رئاسة الحكومة الاسرائيلية بعد انتخابات 28 اذار المقبل ومن دول الاتحاد الاوروبي رغم معرفتهم ان اقتصادهم منهار وان اعادة ترتيبه تتوقف على نحو كبير على مساعدات كل هؤلاء؟ والجواب عن ذلك عندهم هو: كلا، رغم معرفتهم ان الجمهورية الاسلامية الايرانية "حليفة" "حماس" وداعمتها قد تقدم لها بعض المساعدات بعد تأليفها الحكومة الفلسطينية. ذلك ان حجم المساعدات المطلوبة كبير جدا. ولا يعتقد احد ان دولة بمفردها رغم ثروتها المتنوعة تستطيع تقديمها. فكيف اذا كانت هذه الدولة تعاني بدورها مشكلات مهمة جدا ومعقدة جدا على اكثر من صعيد وخصوصا الوضع الاقتصادي؟ لذلك يضيف المتابعون اياهم: "ينتظر كل المعنيين بالموضوع الفلسطيني واستطرادا الفلسطيني – الاسرائيلي ويراقبون" علما انهم يعتقدون ان حركة "حماس" الفائزة قد تسعى الى تأليف حكومة وحدة وطنية واذا تعذر ذلك ويبدو انه متعذر، الى تأليف حكومة تكنوقراط تستطيع بواسطتها مواصلة المفاوضات التي ستجرى مع حكومة ما بعد الانتخابات الاسرائيلية والاتصالات مع اميركا والاتحاد الاوروبي تحت مظلة رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية محمود عباس او عباءته.

هل من رابح اقليمي في الانتخابات التشريعية الفلسطينية الاخيرة؟

يعتقد مراقبون كثيرون ان الجمهورية الاسلامية الايرانية رابح نظرا الى علاقتها العميقة مع "حماس". ويعتقدون ان ذلك سيقويها في مواجهتها الحالية مع المجتمع الدولي حول الموضوع النووي. وذلك صحيح من حيث المبدأ. اما عمليا فان الاسابيع المقبلة قد تشهد احالة ملف ايران النووي على مجلس الامن، علما ان المجتمع المذكور لا يزال يسعى الى حل ديبلوماسي للنزاع حول هذا الملف وقد يكون ذلك من خلال اقتراح روسيا تخصيب الاورانيوم على اراضيها وليس داخل ايران. الا ان هذا السعي قد يتوقف اذا لمس هذا العالم ان المسؤولين الايرانيين يتعمدون "التذاكي" كسبا للوقت. الا ان المتابعين عن قرب للادارة الاميركية انفسهم يعتقدون ان الرابح الاقليمي "الموقت" من الانتخابات الفلسطينية هو سوريا بشار الاسد. فهي على علاقة جيدة بـ"حماس" وبسائر الراديكاليين الفلسطينيين. وتقيم على ارضها قيادات اسلامية فلسطينية اساسية. ومن شأن ذلك في حال ازداد الضغط عليها او عليهم اشعال الوضع في المنطقة. وبما ان احدا في العالم وخصوصا في اميركا لا يريد الآن "فوضى" عنفية سواء في فلسطين او في اسرائيل او في سوريا او في لبنان او في غيرها من الدول فان وضع سوريا الاسد الضعيف اساسا قد يستعيد بعض القوة وان موقتا. ويوفر ذلك في رأي المتابعين انفسهم فرصة ذهبية للرئيس الاسد يستطيع بواسطتها تقليص مشكلاته المتنوعة وخصوصا مع محيطه والعالم. والمطلوب منه في هذه الحال هو دفع "حماس" وحلفائها الى شيء من الاعتدال وهو المساعدة البناءة لاجتياز لبنان صعوبته الداخلية من خلال دور بناء يساعد في نزع السلاح الفلسطيني خارج المخيمات وفي تنظيمه داخلها وفي عودة الثنائي "امل" و"حزب الله" الى الحكومة من دون شروط تعجيزية؟

هل تفعل سوريا بشار الاسد ذلك.

لا احد يعرف، يجيب المتابعون اياهم. لكن ما يعرفونه هو ان احدا من المعنيين في العاصمة الاميركية لا يعرف طريقة للتعاطي مع الاسلاميين الفلسطينيين الرابحين ومع الايرانيين وخصوصا اذا اقدم الاخيرون على تزويد فلسطين "الاسلامية" مساعدات مالية. وهو امر من شأنه دفع دول عربية عدة في مقدمها السعودية ومصر الى الشعور بالغضب، علما ان ايران لا تهتم لغضب كهذا.