امس، في هذه الزاوية، قلنا، ان القضية الفلسطينية، اكبر من الرموز، واكبر من الاحزاب والحركات، ولذلك.. لا يصح ولا يجوز تقزيم خطورتها وحصر عواملها وظاهراتها بصراعات مفتعلة بين احزابها وحركاتها التي انما نشأت وتشكلت لغاية محددة هي.. تحرير الارض الفلسطينية من الاحتلال، وفك اسر الشعب صاحب الارض ومالكها من قبضة القمع والاغتصاب والاقتلاع والقهر تمهيدا لابادته!!
وقلنا كذلك.. بأن عشرات بل مئات الوف الشهداء الذين ضحوا بحياتهم وبشهادات الدم التي سجلوها، لم يفعلوا ذلك لنصرة رئيس على رئيس، ولا حزب على.. حزب او.. حركة على حركة، وانما كان هدفهم المقدس تحرير الوطن والشعب من دنس الغزو والقدم الهمجية!!
وفي سياق هذا الصراع المصيري البالغ الضراوة، يبقى المخلصون الغيارى حريصين على عدم خلط اصول المسائل الطارئة بفروعها ولا التعامل مع الهامشي الثانوي بالجوهري الأصيل.

فتنوع الاجتهادات والتنافس بين الاحزاب والحركات أمر مشروع بل مطلوب، بشرط ان يظل محكوما بسقف المصلحة العامة التي هي ليست مصلحة »افراد« ولا فئات وليست كذلك اهواء حكام ورغبات زعماء، وانما هي مصلحة المجتمع المعني كله، غير المنحصرة بظرف معين او حتى.. بجيل بكامله!!

والديمقراطية.. لا تعني الذهاب الى صناديق الاقتراع فحسب، ولكنها.. حكم الشعب، تمييزا له عن حكم الفرد او الفئة، وما دام ان الشعب هو مصدر السلطة وغايتها، فان ادنى الواجبات هو احترام ارادة هذا المصدر، وعدم الالتفاف عليها بذرائع مصطنعة او تأويلات متهافتة!!

ان احترام ارادة الشعب الواعية الحرة، يعني ان الانسان اصبح واعيا حرا مؤهلا.. ليس لاستقطاب الاحترام والتقدير من شرفاء العالم واحراره فحسب، وانما كذلك لقيادة مسيرة التحرير والبناء وتحقيق المصالح العليا للشعب الاسير والوطن المحتل!!
هذا على صعيد الداخل الفلسطيني، مع اننا من المؤمنين بان مشكلة فلسطين، بالاساس، هي ظاهرة ونتيجة لاوضاعنا القومية الفاسدة المهترئة!

لهذا قلنا وما زلنا نقول ونشدد على ان مسؤولية انقاذ فلسطين، مسؤولية تعود على الأمة كلها بجميع كياناتها التي افتعلتها مؤامرة سايكس - بيكو الاستعمارية الصهيونية!!
ان اقامة دولة الاغتصاب والارهاب فوق جزء من ارض وطننا » فلسطين« سجل للقرن العشرين اقبح واوضح المظالم التي ينزلها القوي القادر بالشعب الذي لم يستكمل فعالية قوته، وهي سابقة ليس لها شبيه في اي شعب حضاري عريق.

ومن هنا.. فان مشكلة فلسطين ليست مشكلة الذين شردوا او الذين سقطوا في ساحات الجهاد، ولا هي.. مشكلة قرارات دولية رفض وما زال الغزاة اليهود يرفضون تطبيقها. ولا مشكلة لاجئين او نازحين يأبى الغزاة المغتصبون السماح لهم بالعودة الى ارضهم وديارهم، وانما هي، في الواقع، مشكلة اوضاع الضعف والتخاذل والعجز بفعل التجزئة المفروضة الطارئة على امتنا الواحدة.. اما شعبنا في فلسطين فهو الذي يدفع الثمن وفاتورة الضعف والتخاذل عن هذه الاوضاع القومية الفاسدة!!

وبالمناسبة.. على الواعين الا ينسوا ابدا، التذكير بالاجرام الذي ارتكبه ويرتكبه الذين ساهموا في هبوط المسألة الفلسطينية الى السوية الفردية، فالذين استغلوا المشردين والذين عملوا ويعملون لقبول التعويضات الفردية عن الممتلكات، فجعلوا الحق القومي شأنا فرديا، والذين ساندوا المستعمر ظهير الصهيونية العالمية، والذين ساوموا في عالمنا العربي، على فلسطين، والذين تاجروا باسم فلسطين.. كل هؤلاء اجرموا بحق فلسطين وحق الامة كلها!!
واخيرا.. لا بد من كلمة لدى من انتابهم القلق من نتائج الانتخابات.

ان القلق على مصير الشعب الفلسطيني ودولته المقترحة، في دوامة الاحداث والقرارات الخارجية، هو غير القلق على المصير الفردي لدى الذين يرون قمة العزة في منصب اومركز نفوذ، ولو كان نفوذا عبدا! لهذا.. فان احرار الامة يهيبون، بمثل هؤلاء - ان وجدوا - ان يكون حافزهم تلافي الاسباب التي ادت الى الكارثة، ولا يجوز ابدا الخضوع لمنظور الاغتصاب الذي وقع مهما كانت الشروط، سواء كانت مساعدات مالية او قرارات دولية!! ذلك لأن مثل هذا الخضوع المشين يزيد في استفحال الكارثة، كما تؤكد الحقائق والتجارب!!