لا تزال المعلومات المتصلة بموعد زيارة مدير الاستخبارات العامة المصرية اللواء عمر سليمان لدمشق وبيروت متضاربة، وسط تكهّنات بان يبدأ مهمته في الساعات المقبلة. كذلك ليس ثمة تأكيدات قاطعة حيال الشخصيات التي سيجتمع بها في لبنان، وهل ستشمل الى مسؤولين رسميين قوى سياسية على غرار ما درج عليه الديبلوماسيون والزوار الاميركيون. الا ان اهمية زيارة سليمان ترتبط بكونه يطل، للمرة الاولى، على الملف اللبناني في موضوع بات الاكثر تعقيداً، وهو العلاقات اللبنانية – السورية كواجهة للوساطة السعودية – المصرية.

وتشكّل مهمته ايضاً العودة الاولى للاستخبارات المصرية الى لبنان - وان بدت في الوقت الحاضر في اطار محدد - منذ أخر دور لهذه الاستخبارات في نهاية الستينات من القرن الماضي بواسطة رجلين توزّعا التأثير في الحياة السياسية اللبنانية: عبد الحميد غالب السفير في بيروت، وسامي شرف مدير مكتب الرئيس المصري.

وسليمان هو الرجل الثاني في النظام المصري بعد الرئيس حسني مبارك، واحد ثلاثة يديرون بتكليف من الرئيس السلطة: رئيس الوزراء لشؤون الدولة، وجمال نجل الرئيس الذي يعده والده لخلافته ويسيطر على الحزب الحاكم وعلى جوانب رئيسية في حكم الداخل، وسليمان الذي يمسك بملفي الجيش والامن الداخلي (الاستخبارات العامة) وبالملفات الخارجية. فهو رجل ملف العلاقة مع الاميركيين والاسرائيليين والفلسطينيين، ورجل التفاوض بين الفصائل الفلسطينية وبينها وبين الاسرائيليين، وفي الغالب يرافق الرئيس في زياراته لدمشق ما لم يحل مكانه في الوفد الرسمي احد رجاله. انه ايضاً الرجل الذي تتقاطع عنده المعلومات والملفات الشائكة والوساطات والمفاوضات الصعبة، والمرشح لان يخلف مبارك في رئاسة الدولة في حال اخفق الاخير في ايصال نجله الى المنصب. وبفعل دوره الواسع النطاق هذا يباشر مهمة بين دمشق وبيروت ترمي الى انهاء التوتر بين البلدين.

واستناداً الى مصادر واسعة الاطلاع فان مهمته هذه تندرج في اطار المعطيات الآتية:

 ان محادثاته في العاصمتين السورية واللبنانية تمثل واجهة المبادرة العربية، حتى اذا نجح في تسويق افكار تزيل التشنج في العلاقات اللبنانية- السورية، انتقلت المهمة الى المملكة التي تتولى اذذاك رعاية المرحلة التالية من اعادة بناء العلاقات بين البلدين. اذ تفضل الرياض الا تكون في واجهة مفاوضات قد تفضي الى اخفاق، وتحبذ ان تلقي بثقلها في اللحظات الصعبة. ولذا تتركز مهمة سليمان على فتح الابواب الموصدة بالشروط والشروط المضادة بين طرفي النزاع، السلطة اللبنانية ودمشق.

 بات مؤكداً، تبعاً لما تشير اليه المصادر اياها، ان مهمة مدير الاستخبارات المصرية ستفصل تماماً بين التحقيق الدولي في اغتيال الرئيس رفيق الحريري والعلاقات اللبنانية- السورية. وبسبب الثقة التي محضه اياها مبارك، فان المام سليمان بالملفين السوري والفلسطيني من شأنه اتاحة الفرصة امام التوصل الى افكار محددة حيال السلاح الفلسطيني في المخيمات في لبنان وخارجها، وكذلك البحث في عناصر الاستقرار الامني في لبنان حيال ما تعتبره القيادة السورية هواجس وتهديدات تقول ان لبنان مصدرها. وهو امر قد يقود الى ايجاد حل للسلاح الفلسطيني ذي شقين: سحب السلاح خارج المخيمات بما في ذلك القواعد العسكرية الواقعة في هذا النطاق، وتنظيم السلاح داخلها في ظل تعذر تجريد المخيمات الفلسطينية منه.

 لا صلة لمهمة سليمان بالمأزق الحكومي الذي من شأنه ان يشق طريقه في وقت لاحق الى الحل والعودة الى الحكومة في ضوء التقدم الذي يمكن ان تحرزه هذه المهمة. وخصوصاً ان ليس ثمة علاقة مباشرة بين ملفي العلاقات المتردية مع سوريا واعتكاف الوزراء الشيعة الخمسة: الاول استمد اسبابه من الضغط السوري لفرض التمديد للرئيس اميل لحود ومن ثم خلاف دمشق مع الحريري ادى الى سلسلة تطورات وجرائم منذ 14 شباط 2005. والثاني نشأ عن خلاف بين افرقاء التحالف الرباعي بسبب الموقف من المحكمة الدولية ثم القرار 1559.

ومع ان لا مؤشرات واضحة لعزم الوزراء الشيعة على العودة الى مجلس الوزراء، فان مهمة مدير الاستخبارات المصرية من شأنها ان تفكك بعض العقد الاضافية التي طرأت على الخلاف بين اركان التحالف الرباعي، وخصوصاً ان الفريق الشيعي ادخل على نحو قاطع تطبيع العلاقات اللبنانية - السورية في صلب اسباب استعادة الحكم والحكومة وحدتهما، وان بدا في الظاهر على الاقل انه يقرن عودته باستجابة شرطيه المتعلقين بتحديد الموقف من المقاومة والمشاركة.

– تستند محادثات سليمان في دمشق وبيروت الى معادلة تشكّل بدورها لبّ الوساطة السعودية - المصرية: عدم تعطيل التحقيق الدولي في اغتيال الرئيس السابق للحكومة وطمر هوية قتلته بل الاستمرار فيه حتى النهاية، وعدم استخدام هذا التحقيق لخوض مواجهة مع سوريا او معركة سياسية تتوخى اسقاط نظام الرئيس بشار الاسد. ويبدو ان التسليم بهذه المعادلة، لبنانياً على الأقل، يتيح الخوض في تفاصيل ما يريده كل من لبنان وسوريا من الآخر. والواضح ان تسليم المسؤولين اللبنانيين في الأيام الأخيرة بالوساطة السعودية بعد تحفظّ قد يكون انطوى ضمناً على التسليم بهذه المعادلة.

وفي واقع الحال، فان اكثر من مسؤول لبناني كبير كان قد سمع في الرياض اكثر من مرة، وقبل اكثر من اسبوعين، من مسؤولين سعوديين بينهم مستشار الملك قلقاً بالغاً من المسار الذي بلغته خلافات اركان الحكم حيال التحقيق الدولي كما حيال سوريا، ورأوا ان من شأنه ان يقود الى ما يتجاوز مشكلة مذهبية عابرة، وهو ما ترفض المملكة السماح به. واصر مستشار الملك امام المسؤول اللبناني الكبير على التأكيد انه لا يتحدث باسمه الشخصي وانما ينقل رغبة ملكية مفادها انه ينبغي ترك التحقيق الدولي يأخذ مجراه، ولكن في المقابل ينبغي التنبه الى المسار الذي تسلكه الخلافات المحلية وتفادي أي استفزاز مذهبي من اي جهة أتى.

كذلك لم تتردد شخصية سعودية بارزة في مخاطبة وزير لبناني من صفوف الغالبية النيابية بانتقاد قاسٍ وتحميله "رسالة" الى جهة محلية نافذة مفادها ان الرياض لن تسمح بانفلات زمام اللعبة والخلافات السياسية اللبنانية الى درجة تعرض الاستقرار في هذا البلد للخطر وفي المنطقة للفوضى.