حسابات انتصار حركة "حماس" في الانتخابات النيابية الفلسطينية تختلف تماما عن حسابات الانتصار في الحكم. فاذا كانت الارقام في الاولى نعمة لها فهي في الثانية نقمة.

أو على الاقل هكذا تبدو حتى الان. أرقام مفجعة في حقائق مأسوية:

الحقيقة الاولى: السلطة الفلسطينية مفلسة. هذا ما اعلنه مسؤولو البنك الدولي وممثل اللجنة الرباعية جيمس ولفنسون من مطلع السنة.

الحقيقة الثانية: على السلطة ان تدفع شهريا رواتب 135 الف موظف بينهم 58 الف عنصر في قوى الامن، يعيلون ثلث العائلات الفلسطينية. قيمة الرواتب 100 مليون دولار. بكلام آخر ان موازنة السلطة التي تبلغ هذه السنة 1,6 مليار دولار تذهب في معظمها رواتب.

الحقيقة الثالثة: تعتمد السلطة في الدرجة الاولى لتمويل موازنتها على مساعدات الدول المانحة وقد بلغت العام الماضي 1,1 مليار دولار بينها 612 مليون دولار من الاتحاد الاوروبي الذي يبقى مموله الرئيسي. هذه المساعدات تغطي بمجملها 60% من الموازنة. اما الباقي، 40 %، فمن الضرائب التي تجبيها السلطة مباشرة والجمارك التي تجبيها لها اسرائيل ويفترض ان تدفعها لها شهريا.

الحقيقة الرابعة: العجز المتوقع في موازنة السلطة سنة 2006 يراوح بين 600 و700 مليون دولار. وعجز كانون الثاني وحده 69 مليونا.

الحقيقة الخامسة: معدل البطالة بين الفلسطينيين عموما يتجاوز 22%، ويبلغ 30 % في غزة واكثر من 40 % في جنوب غزة ويبلغ بين الشباب (16-25 سنة) في جنوب غزة اكثرمن 70 %. يضاف ان نصف الفلسطينيين يعيشون في فقر وكثيرون من هؤلاء في فقر مدقع.

الحقيقة السادسة: البنك الدولي الذي يشرف منذ 2004 على صندوق مساعدات قيمته 250 مليون دولار، جمّد اواخر العام الماضي 60 مليون دولار لعدم توافر شروط الشفافية في الانفاق، وكذلك جمّد الاتحاد الاوروبي 42 مليونا بسبب ارتفاع الرواتب.

الحقيقة السابعة: المساعدات العربية للسلطة الفلسطينية محدودة جدا ولا يصل من المحدود الا المحدود.

انتصرت "حماس" فقرر المانحون جعل دفع المساعدات مشروطا باعترافها باسرائيل وبنبذ العنف . والى اوروبا التي تنتظر تغيير مواقف "حماس" لتضخ مساعداتها، تعيد اميركا النظر في مساعدة للسلطة كانت اقرتها بقيمة 400 مليون دولار منها 234 مليونا لهذه السنة. واعلنت اسرائيل وقف دفع الواردات الجمركية لها والتي تبلغ لشهر كانون الثاني وحده ما بين 40 مليونا و50 مليون دولار.

قيل الكثير وسيقال اكثر في الايام المقبلة في العروض السياسية من هذا الطرف او ذاك. لكن هذه الارقام هي التي ستصنع السياسات المستقبلية لحركة "حماس" في السلطة وللدول المانحة وخصوصا الغرب في موقفها من السلطة الجديدة. فلا الدول المانحة التي تقدم للفلسطينيين مليارات الدولارات في اضخم برنامج يحصل عليه كيان سياسي منذ الحرب العالمية الثانية ستستسهل القاء الفلسطينيين في الفوضى، ولا "حماس" قادرة، بالغا ما بلغت "الجهات الخيرة" التي تتحدث عنها، ان تؤمن مصادر اخرى خاصة لسد العجز. ففي النهاية لا الغرب الذي يصنف "حماس" بأنها منظمة ارهابية قادر على تجاهل الاختيار الديموقراطي للشعب الفلسطيني ولا "حماس" دخلت العملية السياسية لبلوغ الفوضى.

لن يحصل التغيير غدا. لكن هذه الارقام صارت مدخل تثبيت المواقع في البحث عن معادلة جديدة وستكون حاسمة في التغيير وفي ضبط ايقاعه.