نجيب نصير

بسبب طول فترة الصمت واعتياد الناس من متكلمين وساكتين عليها، وبسبب تضخم (وليس تضخيم) حجم الخوف من الكلام واعتياد الناس عليه أيضا، أصبح للكلام خاصيتين جديدتين تماما على مبناه ومعناه: الأولى اعتقاد المتكلم والسامع انه لمجرد الكلام سوف يضع القطار على السكة وتنحل المشاكل والأزمات، والثانية هي انه ولمجرد الكلام فإن هناك تطورا حصل وربما كائن وموجود ولكننا لم ننتبه له ولكن الواقع هو غير المشتهى، فالكلام هو عملية بنيوية مرحلية لا يكون ذي فائدة أو قيمة إذا لم يكن مصطفا في تراتبية الفعل الاجتماعي سياسيا كان ام اقتصاديا، ولعل خبراتنا الوطنية تؤكد وعلى طرفين السلبي منها والايجابي انعدام قيمة الكلام لانعزاله عن البنية المجتمعية المنفذة لفحواه والمستفيدة من اندراجه في فعلها، فكل الخطب التي قيلت في فلسطين او الجولان، وكل الصراخ الذي يكشف نوايا الامبريالية وكل مسرحيات دريد لحام وآل قنوع التي تكلمت عن الفساد يساوي صفرا ما لم يتبعه إجرائيا فعل واضح وصريح يعاكس العطب المكتشف كلاميا ويزيد عنه بالقوة هذا من الطرف الايجابي ؟؟!! اما من الطرف السلبي فأن الخوف من الكلام ومن المحاسبة عليه يبدو هو المصطف في تراتبية معاكسة للحق والمنطق والنوايا السليمة او الوعود المقطوعة وبالتالي فأن اي نوع من الكلام ولو كان ( وهو بالتأكيد كذلك ) من النوع السالف، هو انجاز هائل مع انه خلبي وعديم الجدوى ولكنه دليل وخلبي على حرية الكلام التي هي عنوان التأثير وبدايته بشرط ان لا يندرج في اصطفاف فعال، ليبدو الخوف من الكلام والمحاسبة علية هو خوف من مرحلة جنينية للفعل المجتمعي، وبالتالي فان إعاقتها لا تعني فقط تفكيك الفعل الاجتماعي عبر إزالة او تأجيل حلقة من حلقاته ولو كانت بدئية او جنينية وانما إعطائه قيمة كقضية قائمة بذاتها يكفيها تماما السماح بالكلام نفسه كحركة فيزيائية في الهواء والحبال الصوتية كإنجاز عظيم يستحق ان يكون الدليل على انتفاء سبب الكلام نفسه ( نسمع دائما جملة والدليل ها نحن جالسون نتكلم بكل حرية) ليدخل الكلام في دوامة ذاته وينتهي عندها اجترارا او تناسيا او تراكما اغراقيا.

جدا.م والاقتراحات والتوصيات والدراسات والخطط والاكتشافات والمعلقات والخطابات والمؤتمرات وكل شيء يستهلك وقتا ما هي إلا اهتزازات فيزيائية في الهواء والحبال الصوتية تتناهى إلى الصفر، فلا يعني شيئا ان نكتشف ونتكلم عن إي عدو أو خطأ أو فساد أو عطب إذا لم تكن لدينا بنية فعالة تدرج الكلام في خضم حراكها، وإلا فالمتكلمون والكلام سوف يكونان مثل من يضربون بالمندل أو الودع إذا صح سيقولون الم نقل لكم إذا لم يصح فسيلجؤون إلى المندل والودع مرة أخرى إلى ما لا نهاية له وهو ما يشبه الصفر.. جدا ..