بادية ربيع

شاركت المرأة بكثافة في انتخابات مجلس الحكم الذاتي، وكانت مدفوعة بقناعة في دورها او بإقناع من الرجل أو بضغطه...الخ. وكانت النتيجة انتصارا لحماس فاق التوقعات لدرجة دفعت البعض للجوء إلى نظرية المؤامرة لتفسير الأمر (مثلا: إن حماس طلبت من عناصرها ان لا يقولوا في الاستطلاعات بأنهم سيصوتون لحماس كي تعتقد فتح انها في المقدمة وبالتالي تُجري الانتخابات!!!). ورغم أن هذه الانتخابات تمت على أرضية أوسلو، الذي يعني بوضوح الاعتراف ب "إسرائيل" بما يشتمل عليه ضمناً من مخاطر على حق العودة، إلا أن اسئلة كبيرة تبرز اليوم ولا يمكن تجاهلها.

لقد استفادت حماس والقوى الاخرى من مواطن الضعف لدى نظام حركة فتح، ولا سيما الفساد والمحسوبيات واحتكار الوظائف ومصادر المال. ولنقل باختصار، إن أوسلو قد وضع حق العودة في مرمى التهديد، بل وحتى أجزاء كبيرة من الضفة والقطاع، فهل سيقود مكسب حماس إلى وضع المرأة في مرمى التهديد ؟ اي هل سيمتد التهديد ليشمل المرأة إلى جانب الوطن؟

لماذا نفكر هكذا؟

لقد انتخبت النساء حركة حماس لأسباب منها سلاح حماس وموقفها الديني، ومنها الأمل في اجتثاث الفساد. وباعتقادنا، فإن حركة حماس لن تستمر في العمل المسلح كما كانت سابقاً. لقد أدركت هذه الحركة، كما أدركت منظمات م.ت.ف من قبلها أن هناك حدوداً لقدرتها على الاستمرارية القتالية، فلجأت الأولى إلى التسوية حينما بلغت شعبيتها نقطتها القصوى، وعليه، هناك احتمال أن تلجأ الثانية، اي حماس إلى التسوية! وأحد الأدلة على ذلك قرار حماس المشاركة تحت مظلة أوسلو.

إن جمهور حماس قد انتخبها من أجل ممارسة السلطة على الأقل لإيقاف الفساد. وعليه، لا تستطيع حماس عدم الإمساك بالسلطة او المشاركة فيها لأنها سوف تخذل جمهورها، كما أنها وقد اختارت العمل السياسي، فهي لا شك سوف تبدأ في الاعداد للانتخابات القادمة، اي الحفاظ على ناخبيها وزيادتهم.

وطالما انها سياسة، وطالما ان سلطة الحكم الذاتي هي (أوسلو بامتياز)، وطالما أن حماس سوف تشغل السلطة التنفيذية، وطالما أن سنوات التسوية خفضت السقف السياسي للشارع إلى مطلبي وما دون وطني، (وهذا الانتصار الحقيقي لامريكا واوروبا واسرائيل) فلا بد لحماس ان تستغل كل هذا لتقديم مرونات في موقفها السياسي والعقدي. لن نتهم حماس بأنها ستحاول وراثة الفساد، بل ربما تعمل جاهدة لإثبات العكس.

سيكون ميدان المساومة الأول هذه المرة هي المرأة. قد تحاول حماس إقرار تشريعات وقوانين وقرارات وحتى تنفيذ أمور عديدة في قانون الاحوال الشخصية، مثل سن الزواج، الاختلاط بتعدده، المساواة بين المرأة والرجل في مختلف المجالات، سفر المرأة وحدها، جلوسها في أماكن عامة، مسالة السينما، مقاهي الانترنيت...الخ

من هنا كان على المرأة أن تدرك باكراً أن هذه الانتخابات كانت ضدها بامتياز، ناهيك عن انها انتخابات بموجب اوسلو. أما وقد حصل ما حصل، وعجزت القوى الرافضة للانتخابات على أرضية مخاطر أوسلو، وعجزت هذه القوى عن الوصول والتاثير كثيرا في الناخبات/بين يبرز سؤال ما العمل؟

في هذا المستوى، علينا التذكر بأن المرأة سوف تنتقل إلى مرحلة المقاومة الاجتماعية المدنية بالمفهوم الغرامشي وليس بمفهوم منظمات "الانجزة" الممولة فكريا وماليا من الخارج. فالغرب ليس نصيرا للمرأة كما يزعمون. الانظمة الرأسمالية هناك نصيرة لمصالحها. فحينما كانت مصالحها مع المجاهدين الافغان لم تسأل عن المرأة هناك بل دعمت المجاهدين للقضاء على النظام الاشتراكي الوليد هناك رغم ان المرأة كانت الكاسب الاساسي منه. أما المرأة في العراق اليوم، فإما معتقلة لدى ألاصولية أو تُغتصب ويتم "تأجيرها" في ظل الحكم الاميركي للعراق. لذا، فإن من يعتقدون بأن اميركا سوف تحمي المرأة هنا، يكونوا على الأقل على جانب هائل من السذاجة. كما لن تحمي المرأة مكاتب ما تسمي تفسها "منظمات المجتمع المدني"وهي ليست منظمات قاعدية شعبية، وفوق هذا تجاهد لتبدو في مظهر غربي!

إلى أن تنجح أميركا في تخلي حماس عن السلاح، فإنها ستغض الطرف عن أية تشريعات ضد المرأة، وعن اية تشريعات تعيد المجتمع إلى القرون الوسطى في اوروبا.

ليس أمام المرأة سوى فتح تحالف جديد هذه المرة، تحالف مع البنى والهيئات النقابية المجتمعية، الاتحادات الطلابية، ومختلف الهيئات التقدمية المحلية ذات البعد الاجتماعي التقدمي والوطني، والقومي والاشتراكي. هذا هو الاصطفاف الجديد الذي يمكنه حماية المرأة من مخاطر المرحلة المقبلة.

قد يقول قائل، لماذا لا نفترض أن حماس سوف تقترب من نهج حزب الله في الموقف الاجتماعي. ونقول هذا ما نتمناه، ونعمل من أجله، ولكن هذا أمر، ومبادرة المرأة لحماية حقوقها أمر آخر، ناهيك بأن مبادرة المرأة هي نفسها تدفع حماس للاقتراب من تجربة حزب الله ومن لاهوت التحرير في اميركا اللاتينية وابعد من هذا وذاك.