عندما نواجه بكم التحليلات السياسية عن سورية، فإننا لا نملك سوى الدهشة من الجرأة التي اجتاحت الكتاب من معرضين أو غير معارضين، فما كان يرى عن القفاز الحريري للكتاب السوريين يبدو انه ولى مؤقتا، إلى أن يرى هؤلاء الكتاب صورا جديدة.

لكن القفازات الحريرية ليست حصرا على من يحاول قراءة وضع معين ومراعاة حساسيته، وهي ليست خوفا من سلطة ما. لأن هذا القفاز ربما يكون ضروريا للتعامل مع الدقة التاريخية للمرحلة أو للبلد، وأغلب الظن اليوم عن هذا الشعور سقط أمام "الفوضى البناءة" المطروحة داخل السياسة الأمريكية. أو أنه اصبح من الماضي وغاب داخل الضمير المنسي للكتاب.

عندما نتحدث عن مستقبل سورية فإن هذا الأمر لا يرتبط بمستقبل الدولة أو النظام السياسي، بل بمستقبل وطن، ومحاولة رسم الحسابات المستقبلية على أساس صراعات نظام سياسي يدخلنا بمتاهة يكون ضحيتها الوطن والمستقبل أيضا.

ربما يكون الغد السوري اليوم مرهون باقتناع مشترك بأن المسألة لا ترتبط فقط بوضعية سياسية معينة في زمن معين، وأن عمليات الفصل ما بين الدولة والمجتمع هي شأن يعبر عن أزمة ولا يشكل سوى نصف الحقيقة، فمهما تجرأ المحللون في الحديث عن الدولة أو "السلطة" أو "النظام"، فإنهم يتحدثون عن ناتج اجتماعي لا ينفصل أبدا عن الثقافة الاجتماعية العامة.

المطالبة بالحوار الوطني هو "حقل كلام" لأنه محصور ضمن إطار الثنائيات المعتادة: السلطة والمعرضة ... والحوار الوطني عندما يستطيع ان يغفر جرائم البعض بينما يصر على حساب تاريخ تيارات اخرى فإنه يقع في قتل الحوار الوطني.

الحوار الوطني ليس صيغة توافقية أو اختيار لتيارات، أو جغرافية تجتمع فيها الفئات السياسية، بل هو بحث عن مناخ لقبول الآخر .. والحوار الوطني ليس تبادلا لآراء بل مجالا لطرح المشاريع والآليات والرؤيا المستقبلية. فهل يمكننا انطلاقا من هذه النقطة الحديث عن تيار ثالث؟!!

التيار الثالث كما نفهمه اليوم يبدأ بالاعتراف بالأزمة ... ليس "أزمة" الدولة ... بل أزمة المجتمع ككل .. والاعتراف بالأزمة يقتضي توصيفها للخروج منها .. والتوصيف لا يقتصر على جهة دون اخرى .. فعلى الجميع الدخول في هذا الحوار .. مع ملاحظة ان جرأة التوصيف ليست تجريحا بل تطلعا نحو الغد .....