لأن النصر جاءها على حين غرة ومن غير استعداد كاف، ولأنها تدرك عواقب وعقابيل عزلة دولية تفرض على الشعب الفلسطيني جراء هذا النصر، فإن حركة حماس تجهد في البحث عن سيناريوهات وبدائل تحتوي بها ’’الغضبة الدولية’’ على نتائج الانتخابات، وترجئ من خلالها لحظة الحقيقة والاستحقاق، لحظة الإجابة عن أسئلة لا ترغب حماس بقول كلمتها الفصل حيالها. أول هذه الخيارات، يتمثل في حكومة وحدة وطنية، مع فتح أساسا، وهو البديل الأول على قائمة بدائل حماس، تطرحه بقوة وسط ضجيج من ادعاءات الحرص على الشراكة السياسية، و’’مشاركة لا مغالبة’’، إلى غير ما القاموس الحمساوي من مصطلحات، يدرك القاصي والداني أن حماس ذاتها، لم تأبه بها عندما كانت في المعارضة، وما كانت لتأخذ بها لو أنها استقبلت على ’’كفوف الراحة’’ من قبل المجتمع الدولي.

ثاني هذه الخيارات، حكومة تكنوقراط، أو حكومة مختلطة تشارك فيها حماس إلى جانب بعض المستقلين إلى جانب التكنوقراط، فتتولى هي أو من ينوب عنها الوزارات الخدمية، ويضطلع آخر بمهام رئاسة الحكومة والحقائب السيادية، والهدف كما هو معروف: تفادي الاستحقاق وتأجيل الإجابة عن الأسئلة الأكثر إلحاحا: الاعتراف والعنف. كلا الخيارين، يملي على حماس الاستمساك برئاسة محمود عباس للسلطة الفلسطينية، فالرجل مطلوب لغايات ’’التلطي’’، وربما لمرحلة انتقالية تطول أو تقصر، وكلا الخيارين يتطلب ’’قبول فتح ورضاها’’، فإذا كانت حكومة ائتلاف وطني مرفوضة من الغالبية الفتحاوية، فإن رئاسة عباس للسلطة، قد تصبح الورقة التالية لفتح في صراعها على السلطة مع حماس في مرحلة قادمة، فليس من مصلحة فتح ولا من مصلحة إعادة ترميم دورها وبناء كيانها، أن تكون مظلة لحماس أو مطية لها.

آخر خيارات حماس، تشكيل حكومة حمساوية، مطعمة ببعض التكنوقراط، فإن جاء تشكيل هذه الحكومة على خلفية البرنامج الحالي سيتعين على حماس أن توطد أواصر تحالفها مع ’’الهلال الشيعي’’ والاحتساب عليه، مع كل ما سيترتب على ذلك من كلفة ومتاعب، وإن جاء تشكيل الحكومة على أرضية برنامج جديد يتجاوب مع شروط المجتمع الدولي ومتطلباته، فإن حماس لن تكون بحاجة لفتح والفصائل ودول ’’الهلال’’، وستكون رقما صعبا في السنوات الأربع المقبلة على أقل تقدير.

يصعب تخيل قيام حماس في المدى المرئي بنقل بندقيتها من كتف إلى كتف، والأرجح أنها ستحتاج لفترة أطول من الوقت، من أجل إتمام عملية التغير والتكيف، ولهذا من المرجح أن تتشكل السلطة الفلسطينية المقبلة على مرحلتين: الأولى: حكومة تكنوقراط مطعمة، والثانية حكومة حماسية، هذا على فرض أن التطورات على الأرض وفي الميدان ستسير وفق رتابتها المعتادة، فلا نشهد تصعيدا عملياتيا من جانب الفصائل الأخرى، أو تصعيدا إسرائيليا تحت مختلف الحجج والذرائع، يعيد خلط الأوراق وقلب الطاولات. على أية حال، حماس ليست في عجلة من أمرها ولا ينبغي أن تكون، فإسرائيل تدار من قبل حكومة انتقالية، وانتخاباتها في أواخر آذار المقبل، وحكومتها الجديدة لن ترى النور قبل نيسان أو أيار القادمين، لكن الأفضل لحماس وللشعب الفلسطيني أن تستكمل عمليات نقل بسرعة ويسر وفي موعدها، مثلما جرت الانتخابات بيسر وشفافية وفي موعدها.