أصيب تحالف قوي 14 مارس بانتكاسة معنوية بعد الزيارة الناجحة التي قام بها الرئيس الايراني احمدي نجاد الى دمشق، ولقائه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، وأيضاً رئيس مجلس النواب، رئيس حركة أمل، نبيه بري. كما أصيبت هذه القوي بشيء من الاحباط بعد الفوز الذي حققته حركة حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية،

والسبب في كل ذلك يعود الى اعتبارات عدة، ربما أهمها الشعور السائد بأن المحور المناهض للسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، بدأ يسجل الانتصار تلو الآخر، من الإعلان عن حلف ايراني - سوري - لبناني ضد اسرائيل، كما كشف عن ذلك السفير الايراني في بيروت مسعود الادريسي، الى الدعم المعنوي الذي قدمه انتصار حماس في الانتخابات، الى حزب الله، والتيارات الأصولية المتشددة ليس في لبنان فحسب، بل في العديد من دول المنطقة. والجنوح نحو النزعة القائلة بأن البديل عن بعض الأنظمة السائدة في العديد من دول هذه المنطقة، ربما يكون لصالح الأحزاب، والحركات الأصولية التي لها نظرتها، وفلسفتها، حيال العديد من الملفات المفتوحة، والمواضيع الساخنة المطروحة علي بساط البحث.

ولا يوجد مغالاة في القول إن فوز حماس في الانتخابات، أعطي مصداقية لكلام الرئيس السوري بشار الأسد، الذي سبق له ان حذر الولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد الأوروبي، والغرب بصورة عامة، من ان الفوضي أو الأصولية سوف تنتشر، وتعم دول المنطقة، إذا ما استمرت السياسة الأمريكية - الغربية غير العادلة، وغير المتوازنة قائمة علي استهداف شعوبها، ودولها، والأنظمة القائمة فيها، لذلك كان من الطبيعي ان تتنفس دمشق الصعداء في ضوء النتائج التي أسفرت عنها الانتخابات الفلسطينية التشريعية، لأنها كانت خير مثل، ومثال عما سبق ان حذر منه الرئيس السوري، والذي لم تؤخذ تحذيراته بعين الاعتبار من قبل المجتمع الدولي، الذي فوجئ علاً بهذا الزلزال السياسي الذي أصاب فلسطين، ومصير ومستقبل القضية الفلسطينية.

كان لا بد من أن تتأثر قوي الرابع عشر من مارس من وقع هذه المستجدات، وتداعياتها، فسارع رئيس الحكومة فؤاد السنيورة الى زيارة القاهرة، والتمني علي الرئيس حسني مبارك رعاية مبادرة تقود الى إعادة النظر في العلاقات اللبنانية - السورية، ووقف التدخل في الشؤون الداخلية، وإعادة الاعتبار الى الصف الحكومي، عن طريق اعتماد الوسائل الكفيلة بتنشيط الحوار بين الأطياف السياسية اللبنانية المتباعدة، بما يؤمن عودة الوزراء المعتكفين الى ممارسة مسؤولياتهم علي أكمل وجه، والمشاركة في جلسات مجلس الوزراء.

وكان رئيس تيار المستقبل النائب سعد الحريري يقوم علي خط متواز بزيارة الى الولايات المتحدة، وصفت بالمهمة نظراً لطبيعة اللقاءات التي أجراها، والتي شملت كبار المسؤولين من الرئيس جورج بوش، الى نائبه ديك تشيني، الى وزيرة الخارجية السيدة كونداليسا رايس، الى كبار المسؤولين في البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، ومجلسي النواب والشيوخ، حيث أعقبها بسلسلة من المواقف، كالقول والتأكيد بأن لا صفقة علي حساب لبنان، وأن التحقيق في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري سوف يأخذ مداه، وصولاً الى كشف المجرمين ومعاقبتهم، وإن القرار 1559 ما زال خاضعاً للحوار والنقاش، من حيث بعده اللبناني توصلاً لحل مقبول لسلاح حزب الله بعيداً عن التشنج، والحساسيات، وإن موظفاً كبيراً في صندوق النقد الدولي سيقوم بزيارة الى لبنان اعتباراً من السابع من فبراير للبحث مع المسؤولين في تحديد موعد انعقاد المؤتمر الدولي لدعم لبنان في العاصمة اللبنانية الى ما تقود هذه الحركة تحديدا؟.

لم يعد بخاف علي أحد بأن كل هذا الكلام، إنما هو شيك بدون رصيد يعطي بيروت من طرف اللسان حلاوة دون أن يكون هناك من جديد عملي علي أرض الواقع، فيما تري قوي الرابع عشر من مارس ان عاماً يمر علي استشهاد الرئيس الحريري، ولم يتغير الكثير، ذلك أن رئيس الجمهورية أميل لحود الممدد له من قبل سوريا، والذي يعتبر الرمز القوي للتحالف اللبناني - السوري لا يزال علي رأس هرميّة الدولة، من دون ان يغير من مواقفه وقناعاته، ومن دون ان يتمكن احد من إزاحته عن منصبه كرئيس للجمهورية، بالطرق والوسائل الديمقراطية. أما القوي الحليفة لسوريا، وعلي رأسها حزب الله، فقد عادت أقوي مما كانت عليه في السابق، انها تحتفظ بالسلاح، وتحتفظ بورقة المقاومة، وتحتفظ بحق النقض الفيتو علي أعمال الحكومة، والأكثرية الممثلة فيها، وأيضاً الأكثرية التي جاءت بها الانتخابات التشريعية الى مجلس النواب، وبالتالي فإن النتيجة تكاد تكون محسومة: أكثرية غير قادرة علي التغيير، وعلي استلام مقاليد السلطة كما يجب، وأقلية في الحكومة والمجلس قادرة علي تعطيل المقومات الهادفة الى التغيير، والي المضي بلبنان بعيداً تحت تأثير المحور السوري - الايراني المباشر والضاغط علي مقدراته الداخلية.

في ظل هذا الواقع بدأ الحديث عن امكانية احداث صدمة ايجابية من شأنها ان تعيد خلط الأوراق بصورة جذرية، انطلاقاً من مسعي جدي تقوم به الحكومة والرئيس السنيورة تحديداً، لجمع أكبر عدد من الوثائق الرسمية التي تؤكد لبنانية مزارع شبعا، بما فيها الوثائق المحفوظة في الأرشيف الرسمي البريطاني، وأيضاً الأرشيف الرسمي الفرنسي، منذ سنوات الانتداب البريطاني - الفرنسي علي عدد من دول المنطقة، بينها سوريا ولبنان، لتقديم كل تلك الوثائق والمستندات الى الأمم المتحدة، ثم التقدم بطلب عاجل الى مجلس الأمن الدولي للنظر بهذه الوثائق، وتأكيد لبنانية مزارع شبعا، وتكليف لجنة دولية مختصة لترسيم الحدود في تلك المنطقة علي أساس هذه الوثائق، والعقارات العائدة ملكيتها الى اللبنانيين، علي ان يصار بعد ذلك الى حمل اسرائيل علي الانسحاب من الجانب اللبناني في تلك المزارع، وعندها يتم اقناع حزب الله بالتخلي عن سلاحه لأنه لم يعد من مبرر وطني، أو أخلاقي للاحتفاظ بهذا السلاح، الذي سيصبح معزولاً علي المستوي المحلي، ومستهدفاً ومحارباً من قبل المجتمع الدولي.

هذا ما يتعلق بسلاح حزب الله من القرار ،1559 أما ما يتعلق بالسلاح الفلسطيني خارج المخيمات، فإن الأمر متروك للمبادرة العربية، وتحديداً المصرية - السعودية، ذلك ان الرئيس حسني مبارك وعد الرئيس السنيورة بأنه سوف يكلف رئيس جهاز المخابرات اللواء عمر سليمان بزيارة دمشق للتفاهم مع المسؤولين السوريين حول أمرين: وقف تدخلهم في شؤون لبنان الداخلية، ووقف دعم الفصائل الفلسطينية خارج المخيمات في لبنان ومدّها بالسلاح والمسلحين بهدف الإخلال بالأمن اللبناني الداخلي. والثاني: البحث في دمشق في السبل الآيلة الى اقامة علاقات ندية مع لبنان، علي أساس الاحترام المتبادل، انطلاقاً من الإقرار بمبدأ ترسيم الحدود، الى الإقرار بلبنانية مزارع شبعا، الى إقفال الممرات غير الشرعية ووقف تدفق الأسلحة والمسلحين الى الأراضي اللبنانية، الى إعادة النظر في الاتفاقيات غير المتوازنة، الى إقامة علاقات دبلوماسية بين البلدين وتبادل السفراء، الى عدد من الملفات الساخنة الأخري المفتوحة بين البلدين. علي ان يزور اللواء سليمان بعد ذلك بيروت لينقل الى الرئيس السنيورة خلاصة محادثاته في العاصمة السورية، والنظر في امكانية قيام نوع من الحوار الذي يؤدي الى معالجة كل هذه الملفات، والتفاهم علي حلول ومخارج مؤاتية لها عن طريق الحوار لإعادة العلاقات بين بيروت ودمشق الى صفائها وحيويتها.

ويبقى السؤال: هل من شيء عملي يمكن ان يدفع بهذه المعلومات كي تأخذ طريقها الى أرض الواقع؟

الجواب الذي يتردد في بيروت، وعند بعض العارفين ببواطن الأمور، يفيد بأن حزب الله وسلاحه واستشهادييه، وشعبيته الواسعة، وعلاقاته الوثيقة مع كل من سوريا وايران قادر علي ربط لبنان بالمحور السوري - الايراني رغماً عن الحكومة اللبنانية، وغالبية اللبنانيين، واذا كانت المصلحة الأمريكية - الغربية تقضي بإضعاف هذا المحور الذي وصفته يوماً ب محور الشر ، فإنها لن تدرك سبيلاً الى ذلك إلا عن طريق نزع الفتيل من مزارع شبعا، وإضعاف أي حجة عند الحزب تدفعه الى الاستمرار في التشبث بسلاحه، ووضع حد للتدخلات السورية في لبنان، إما عن طريق الفصائل الفلسطينية المنتشرة خارج المخيمات، أو عن طريق المخيمات نفسها، أو عن طريق استمرار مسلسل التفجيرات والاغتيالات.. إن جهداً عربيّاً - أمريكيا - دوليا قادر علي ان يهدي اللبنانيين حداً أدني من الهدوء والاستقرار، مع مرور عام علي استشهاد الرئيس رفيق الحريري، إن شاء مثل هذا التحالف الدولي ذلك، لكن أن تبقي الأمور عند حافة الدعم البياني - الكلامي فقط، فإن لبنان سائر نحو التمزق والاقتتال من جديد، ولن يكون هناك رابح واحد بل إن الجميع خاسرون؟!.