بعد موجة من التعيينات ( السابقة ) في الهيئة العامة الإذاعة والتلفزيون وتقاسم الوظائف حسب الدعم والواسطة والمحسوبية وشد الحبال ولوي الأذرع والتزلف لفلان وعلان ومنشان الله يا سيدي , صدر قرار بتعيين عدد من المدراء الفرعيين في الإذاعة والتلفزيون .

والمفاجأة كانت أن هؤلاء ليس لهم علاقة بالإعلام لا من قريب ولا من بعيد لا دراسة ولا ممارسة إلا ما اكتسبوه من تقادم وظيفي في هذا المجال .

إحدى الجرائد الرسمية نشرت " في صفحتها منوعات " لقاءات مع هؤلاء المدراء وكان السؤال الأول ما هي الشهادة التي تحملها سعادة المدير ؟ و من الأجوبة التي لفتت انتباهي جواب فريد في نوعه يقول : " إجازة في الجغرافية السياسية " وما إن قرأت هذا الجواب حتى تساءلت في نفسي ما حاجة الإذاعة والتلفزيون للجغرافية ؟! ..... هل سيفتح التلفزيون مدرسة ثانوية تدرس أولاد الموظفين ( مادة الجغرافية ) ؟! ...... أم أن الإدارة ستكلف هذا المدير الجديد بقياس طول حدود الهيئة ؟! ...... أم أنه سيُكلّف بحساب المساحة الكلية لساحة الأمويين ؟! ....... أم أنه سيقوم بعملية مسح لنهر بردى من المنبع إلى المصب ذلك أن فرعاً من هذا النهر يمر بين - جنبات - الإذاعة والتلفزيون ؟! أم أن هذا الجغرافي سيتنبأ بكمية الأمطار التي ستهطل على سطح مبنى التلفزيون لمعرفة كمية الأمطار في مدينة دمشق وما حولها ؟!

وعلى الرغم من كل ما ذهبت إليه مخيلتي لكن جواباً واحداً لم يقنعني لأن الرجل يتسلم منصباً مهماً في ( إذاعة الوطن ) لا بل ويشرف على معظم برامجها وحتى السياسية منها وهنا اكتشفت لماذا ألحق كلمة ( سياسية ) بكلمة جغرافية وتساءلت كيف استطاع هذا المدير المجتهد أن يدرس ( الجغرافية السياسية ) ولكن أين ؟ وفي أي جامعة ؟ هل في لندن أم واشنطن أم باريس أم الهند أم الصين أم ( الاتحاد السوفيتي الصديق ) ؟!

وظل السؤال يراودني فقررت أن أذهب إلى مكتبه وأسأله شخصياً فحملت نفسي وصعدت من الطابق الثالث إلى الرابع وقلت له : هناك سؤال يحيرني ؟ قال : ما هو ؟ قلت : أين درست ( الجغرافية السياسية ) ؟ فضحك ضحكة ترددت عبر طوابق الهيئة وقال : " اقعد لقلك اقعد هاي الكلمة ( السياسية ) مدخل لاستلام المناصب أنا معي ( إجازة جغرافية من جامعة دمشق ) . يعني بصراحة لو كانوا بدهين يعاملوني عالشهادة كانوا استغنوا عني من زمان وأرسلوني إلى وزارة التربية أو إلى الهيئة العامة للاستشعار عن بعد , أو الأرصاد الجوية , لكن انت بتعرف إنو الشهادة ما إلها علاقة بالتعيين , بتعرف شو معيار التعيين , المعيار يا صاحبي هو حسب علاقتك مع اللي فوق , وهاي كلمة السياسية انساها لكن القصة هي أني درست مادة في السنة الأولى من الجامعة اسمها ( الجغرافية السياسية) وحبيت هالمادة كتير وصار مين ما سألني شو دارس قلو : جغرافية سياسية , بس ما حدا وقف عندها غيرك حتى اللي فوق , عجيب أمرك . وختم كلامه قائلا اشرب شاي وانساها راح تفضحنا " !

و خرجت من عند هذا المدير والحيرة والصدمة تتصارعان في رأسي !! وانزلقت بسرعة الهواء إلى الطابق الثالث حيث أعمل لأجد زميلاً يعد برنامجاً يدّعي أنه من أفضل البرامج وكان في وقتها يستقبل ( ضيوف البرنامج ) وخلال الدردشة التي تسبق دخول الاستديو سأله أحد الضيوف عن دراسته فقال بكل جدية : ( فلسفة سياسية ) وهذه المرة لم أكن أنا السائل بل ضيف زميلي الذي تابع سائلا وأين درست ( الفلسفة السياسية ) ؟ فأجاب هذا المعد ( العظيم ) في جامعة دمشق فرد الضيف وهو يحمل شهادة دكتوراه في الفلسفة لكني لم أسمع بهذا الاختصاص , فضحك صاحبنا وقال : صحيح هو غير موجود لكن نحن من نسيس الفلسفة !! فعجبت لهذا الزمن الذي أفسح لهؤلاء أن يصلوا إلى هنا ! لا بل ويكذبوا علناً من على شاشات التلفزيون وميكرفونات الإذاعة دون حسيب أو رقيب ؟! وتساءلت هل التلفزيون أو الإذاعة في حاجة إلى هؤلاء فعلاً ؟!

لا أظن ذلك !!