جاء مرسوم السيد الرئيس القاضي بمنح زيادة على أجور العاملين في إطار التوجه لتحسين مستوى معيشة المواطنين بكل فئاتهم وشرائحهم، وهذا العطاء سبقته عطاءات عديدة يأمل العاملون في الدولة والقطاع الخاص تصعيدها للوصول إلى معادلة متوازنة مابين الدخول المحدودة ومستلزمات الحياة.

وبهذه المناسبة لابد من التنويه ان الجهات الحكومية تفتقر إلى الآلية التي تمكنها من قياس مستوى معيشة الناس وتأثر حياتهم سلباً أو إيجاباً بالأسعار انخفاضاً أو صعوداً. وفي الوقت نفسه ليس هناك أية مؤسسة دراسات متخصصة بهذا المجال.

فمثلاً لا يستطيع أي مسؤول أو أية جهة مسؤولة تعريفنا ماذا يكفي مبلغ عشرة آلاف ليرة سورية كدخل لأسرة مكونة من أربعة أشخاص أي أسرة نموذجية.. أو ماذا يفعل مبلغ عشرين ألف ليرة سورية كدخل شهري لأسرة مكونة من ستة أشخاص؟. وأيضاً ليس لدينا أية إحصائية أو دراسة حقيقية عن حجم الشرائح الاجتماعية التي يبلغ دخلها الشهري سبعة آلاف ليرة أو عشرة آلاف ليرة أو عشرين ألف ليرة.. وفي المقابل لم يخبرنا أحد من المعنيين كم يلزم من المال شهرياً لتوفير الاحتياجات الأساسية لأية أسرة متوسط عدد أفرادها خمسة أشخاص إضافة إلى إمكانية تصور الكيفية التي تعيش بها أية أسرة متوسطة الحجم بمبلغ خمسة عشر ألف ليرة وكذا الأمر بالنسبة للأسر التي دخلها لا يتجاوز عشرة الآلاف ليرة وعدد أفرادها حوالى ثمانية أو أكثر وهذا النوع من الأسر نجده في المناطق الريفية وفي الضواحي المحيطة بالمدن..

في هذه الحال التي نعيشها جميعاً كواقع والتي نفتقد فيها إلى مثل هذه الدراسات تبقى مسألة تحسين مستوى المعيشة بحاجة الى الأسس الواقعية والمرتكزات الحقيقية.. فتكون نتائج تطبيق التوجه العام بتحسين مستوى معيشة الناس الذي يترافق دوماً برفع للأسعار خطوة إيجابية لكن رفع الأسعار يجعلها خطوة سلبية على معاش الناس.. تعالوا لنذكر بعض ما يترتب على المواطن دفعه.. ففي السابق كان الطابع المالي الذي يفترض لصقه على أية معاملة ثلاث ليرات أصبح عشر ليرات. هناك رسم إنفاق استهلاكي على الكهرباء وعلى الهاتف بفرعيه الخلوي والأرضي وارتفعت أسعار الكهرباء والماء قبل حوالى ثلاثة أعوام دون أن يرافقها أي رفع للأجور.. في الفترة الأخيرة وتحديداً منذ شهرين ارتفعت أسعار جميع السلع والمواد المصنعة محلياً والمستوردة بسبب ارتفاع الدولار إلى ستين ليرة وهاهو الدولار يعود إلى الـ54 لكن ما ارتفع من الأسعار بقي على حاله وأبى أن يعود إلى سابق عهده. ‏

فأسعار الرز والسكر والزيت والسمون وهي المواد الأساسية الغذائية في الاستهلاك قفزت وترفض العودة إلى ما كانت عليه قبل فورة الدولار. ‏

ختاماً إن الجميع يتحدث عن رفع لأسعار المازوت سيحدث وسيعمل به بعد حوالى ثلاثة أشهر.. ومهما كان هذا الرفع بسيطاً إلا أنه سيلهب جميع أسعار المواد والسلع المحلية والمستوردة.. بل إن الرفع قد يؤدي إلى إضعاف السلع المنتجة محلياً في المنافسة وقد يؤدي ذلك إلى إغلاق منشآت اقتصادية وبالتالي فإن الخطط الحكومية في تحسين مستوى المعيشة ستكون في هذه الحالة بحاجة إلى من يدافع عنها ولا يمكنها أن تدافع عن نفسها.. إن الحل لهذا الإشكال الذي يتعلق بحياة الناس وتحديداً بالشريحة الأكبر التي تصل نسبتها إلى 80% يحتاج إلى تأنٍ ودقة ودراسات ميدانية يمكن أن تحدد مستوى المعيشة الحالي وأي تحسين سيطرأ عليه إذا تم رفع أسعار المحروقات.. وعلينا جميعاً أن نفكر بصوت عال وبصراحة وشفافية. ولنعتمد لغة الأرقام التي يمكن أن تقنعنا جميعاً.‏