مشكلة اعتكاف الوزراء الشيعة كما يسميهم اللبنانيون او وزراء الثنائي "حزب الله" وحركة "امل" كما يسميها هذان الفريقان ليست عصية على الحل في نظر قادة المعتكفين. اذ يكفي ان "ينطق" مجلس الوزراء او الناطق باسمه الذي هو وزير الاعلام بعد احدى جلساته بجملة من ثلاث كلمات هي "المقاومة ليست ميليشيا" كي يعود الوزراء المذكورون الى ممارسة نشاطهم الرسمي الذي توقفوا عنه منذ خمسة اسابيع وبضعة ايام. واذا كان هذا الحل صعبا على مجلس الوزراء فان في استطاعة مجلس النواب ان يقوم بالمهمة المشار اليها بدلا منه اي ان ينطق الكلمات الثلاث نفسها بعد احدى جلساته العامة. وهذا مخرج تم تداوله اعلاميا الاسبوع الماضي علما ان الاعلام ليس مصدره الاساسي بل ناقلا له.

هل ان حل مشكلة الاعتكاف الوزاري الشيعي اذا جاز التعبير هو في السهولة المبينة اعلاه؟

انه ليس كذلك على الاطلاق. والحل المذكور ينطوي على الكثير من التبسيط ويتجاهل متعمدا الكثير من الحقائق والوقائع. اذ من يضمن في حال احيل موضوع الخلاف برمته على مجلس النواب ان يلقى الحل المطلوب؟ فالغالبية في مجلس النواب هي ذاتها الغالبية في مجلس الوزراء. واذا كانت الغالبية الحكومية لا تزال تمانع على الاقل حتى الآن في النطق بالكلمات السحرية الثلاث: المقاومة ليست ميليشيا فهل ستتخذ الغالبية النيابية موقفا مغايرا او بالاحرى مناقضا لها؟ واذا كانت هناك موافقة فعلا على هذه الكلمات من الغالبية الحكومية فما الذي يمنعها من النطق بالكلمات المطلوبة في مجلس الوزراء؟ وهل يحل النطق بالكلمات الثلاث اياها سواء في مجلس الوزراء او في مجلس النواب المشكلة القائمة حول المقاومة وسلاحها ودورها ووظيفتها ام انه يحل مشكلة الاعتكاف الوزاري ويبقي على المشكلة الاساسية الامر الذي لا يمنع تفجيرها في وقت لاحق قريب او بعيد؟

ما هو الحل اذاً لهذه المشكلة التي تكاد ان تصبح مستعصية على الحل؟

قبل ايجاد الحل اللازم لها لا بد من التعاطي مع موضوع المشكلة بصراحة متناهية وبشفافية كاملة بعيدا من النيات المضمرة و"الاجندات" الضمنية. ولا بد ايضا من وصف دقيق لها اي لا بد بعد تقدير الانجاز التاريخي الذي قامت به المقاومة وهو تحرير معظم الاراضي اللبنانية التي كانت تحتلها اسرائيل في ربيع عام 2000 بعد سنوات طويلة من الكفاح والنضال والقتال، من تحديد دور هذه المقاومة في المرحلة الراهنة وفي المستقبل. ولا بد من تحديد مهمتها والاتفاق على دورها بعد نجاحها في انجاز المهمة اي في المرحلة اللاحقة لذلك.

وذلك يعني ان على المقاومة التي يمثلها حاليا "حزب الله" واستطرادا حركة "امل" ومعها الغالبية النيابية والحكومية وكل الاطراف اللبنانيين تقديم اجابات واضحة ومحددة عن اسئلة كثيرة في ما يأتي عينة منها: هل الهدف الفعلي للمقاومة انجاز تحرير الاراضي اللبنانية المتمثلة بمزارع شبعا ام هو الى ذلك مساعدة سوريا بكل الوسائل اللازمة من عسكرية وامنية وسياسية على استعادة جولانها المحتل من اسرائيل؟ ام هو البقاء في جهوزية عسكرية وامنية وسياسية للتمكن من الاستمرار في الانخراط في المواجهة العربية والاسلامية مع اسرائيل والتي بدأت منذ عقود؟ وهل المقاومة المسلحة هي وحدها القادرة على انجاز تحرير ما تبقى من اراض لبنانية محتلة ام ان الدولة اللبنانية تستطيع بصداقاتها الدولية وخصوصا في الظرف الدولي الحالي المؤاتي للبنان انجاز هذا التحرير بالوسائل الديبلوماسية اي عبر الامم المتحدة ومن دون الاضطرار الى دفع اثمان سياسية لاسرائيل من شأنها اضعاف موقع الاشقاء وخصوصا السوريين والفلسطينيين في صراعهم مع اسرائيل؟ هل لسلاح المقاومة هدف اخر غير مواجهة اسرائيل وتحرير لبنان من احتلالها؟ وهل سلاح المقاومة لبناني ام انه سلاح فئوي وتاليا هل يمكن استعماله في الداخل وتوظيفه مع امتداداته الاقليمية لإقامة وضع سياسي في لبنان ظاهره تعايش مشترك وباطنه سيطرة فئة او على الاكثر فئتين على المقدرات الوطنية سواء بدعم اقليمي معين او من دون دعم كهذا؟ ماذا سيكون مصير سلاح المقاومة بعد التحرير التام لكل الاراضي اللبنانية المحتلة؟ هل يدخل في منظومة دفاعية ردعية لبنانية قادرة على وقف التهديد الدائم الذي تشكله اسرائيل للبنان او على منع الخروقات المستمرة لسيادته جوا وبرا وبحرا او يبقى مستقلا وتابعا فقط لاصحابه وربما من خلالهم للجهات الاقليمية الحليفة؟

وهل يعني دخول سلاح المقاومة المنظومة المذكورة انقطاع اي علاقة به لاصحابه الحاليين ام يبقى لهم قرار في كل ما يتعلق به؟ واذا بقيت الحال كذلك هل يساعد هذا الامر وحدة الدولة اللبنانية او الوحدة اللبنانية عموما او يساهم في تصدعها؟

طبعا، قد يقول البعض ان قيادة "حزب الله" واستطرادا حركة "امل" قدمت اجوبة صريحة عن معظم الاسئلة المذكورة ابرزها ان سلاح المقاومة لن يوجه نحو الداخل ولن يؤثر في الوضع السياسي الداخلي بكل تعقيداته. وهذا القول صحيح. لكنه لا يقنع لبنانيين كثيرين وخصوصا الذين يعتقدون عن خطأ او عن صواب وبسبب التصدع اللبناني المزمن ان له بعدا داخليا مقلقاً وبعدا اقليميا مقلقا بدوره. وقد يقول البعض الآخر ان الغوص في كل تفاصيل مشكلة سلاح المقاومة وعلى النحو الذي تثيره الاسئلة المطروحة اعلاه يقود الى المواجهات وليس الى الحلول. لكن ذلك ليس صحيحا من الناحية العملية على صحته من الناحية المبدئية. فالذي قاد لبنان الى الحروب والفتن في الماضيين القريب والبعيد كان الغموض والالتباس والتكاذب والتحايل وليس الصراحة والشفافية. وقد يقول البعض الاخير ان المواجهات التي يخوضها لبنان والمنطقة وان صعوبات الوضع الاقليمي المتفاقمة تستدعي حلولا سريعة والجواب عن ذلك هو من قال ان الحلول قد تكون بطيئة اذا صفت النيات وتطابق المعلن مع المستور عند الجميع؟

وفي اي حال لا يمانع احد في ان يتولى رئيس مجلس النواب نبيه بري قيادة مسيرة الحوار حول هذا الموضوع الشائك سلاح المقاومة لكن نجاحه لن يتوافر الا اذا كان الهدف عند الجميع التوصل الى حل وليس كسب الوقت. ذلك ان تأكيد مجلس النواب او مجلس الوزراء ان "المقاومة ليست ميليشيا" وهي ليست كذلك، لن يمنع تحولها لاحقا ميليشيا وخصوصا اذا استمرت حال اللاحلول في البلاد وعدم الاستقرار او تفاقم او تحول فتنا.