ليست المسألة ترفا سياسيا أو تلاعبا بصيغ التوافقات التي بدأت تظهر بشكل فاقع على مساحة المشهد السوري، فالحياة السياسية ستشهد تصاعدا باتجاه العام القادم الذي يحمل استحقاق "الانتخابات التشريعية"، التي من المفترض ان تمثل الجغرافية – السياسية السورية بعد سنوات من التحول او الضغوط. وإذا بقيت الصورة الحالية كما هي حتى زمن الاستحقاق فإن الانتخابات ستشهد على الأقل تجاذبا إعلاميا يضيع الفرصة على السوريين كي يضعوا هذه الجغرافية في موقعها من حركة الوطن ومستقبله.

ولأن تجارب المحيط الجغرافيي لسورية شكلت جزء هاما وحقيقيا من الصورة المستقبلية لنا، فربما علينا أن نحاول التعامل مع ممكناتنا بشكل جديد. فإذا كانت التجارب لا تتكرر عبر "صورة طبق الأصل" لكن الاحتكام إلى صناديق الاقتراع ربما يحمل حجما من المفاجأة أو الصدمة ... وربما الدهشة. فالفوز الكاسح لحماس أو للإخوان المسلمين في مصر لا يشكل بذاته العلامة الفارقة. فالتناقض الصارخ ما بين القوى المتصارعة على صندوق الاقتراع هو المهم، وهو الذي يجعل من العملية الانتخابية "معركة" بالمعنى العسكري وليس السياسي. وينتقل "صراع المفاهيم" إلى مساحة "السلم الأهلي" والصراع على استحواذ المواطن بدلا من تمثيله داخل المجالس التشريعية.

الصورة التي سنقرؤها بانتظار استحقاق العام القادم يأخذ بعين الاعتبار ليس فقط الإجراءات التي ستتخذها الدولة فقط في إطار إعادة التمثيل السياسي، بل أيضا ما يمكن ان تقوم به التجاذبات السياسية من صراعات للمفاهيم يتم نقلها نحو المواطن، لتصبح حقلا كلاميا هدفه "الاستحواذ". ومع التركيز على الآليات الديمقراطية ونتائجها، فإن التعامل مع هذين الأمرين ينقل في النهاية مدى نجاح "النخب" في دفع الديمقراطية إلى الأمام، أو حتى إعطاء "المعارضة" شكلها الحقيقي داخل الوطن ...

ما الذي ينتظره المواطن؟! إنها إشارة استفهام أولية، لأننا في كثير من الأحيان نخطئ تقدير المؤشرات التي يقدمها المواطن. فلقمة عيشه على أهميتها ليست عنصرا وحيدا ... وعندما يبتعد المواطن عن الشأن العام فهو لا يعبر فقط عن سعيه لتأمين معاشه، بل لأنه سأم عمليات "الاستحواذ"، مهما كان طرفها أو المسؤول عنها.

الدعوة إلى التيار الثالث هي انتفاض على عمليات الاستحواذ التي تمارس إعلاميا على الأقل، بينما يتجه المجتمع نحو إطار آخر ... تراثي أو ماضوي ... أو حتى "ليبرالي جديد" ...