نجيب نصير

لا اريد في هذا المقال ان اشكو الحال فصفحات النقيق والندب تفي بالغرض وزيادة ، كما لا أريد ان اطالب وأقول على الدولة كذا وعلى الدولة مذا ، فالتجربة اثبتت ان الدولة اذا كانت تستطيع التلبية ،فانها تريد حصتها حسب (الاصول ) و( الفروع ) ، ولا اريد ان احكي عن حمى التسليع والاستهلاك وبروبغندا الشتم والهجاء لهذا القدر الثقافي الذي لا راد له والحال هكذا ، ولكني اظن وبعض الظن اثم وعلى الغاالب كله ، اننا قد اصبنا بتخمة الفن والابداع لدرجة اننا بعد وهلة سوف نكافحه بتهمة انفلونزا الفن نظرا لفيضانه علينا حتى لم يعد لدينا الوقت الكافي للعمل اوالاستراحة بسبب امتلاء اوقاتنا بمتابعة الفنون وعروضها ومن ثم الاضطجاع والتلذذ بالتفكير فيها ومحاولة الاحتكاك مع كنه الانسان ، ومع بطانة القيم ، ومع مواقف مشغولة من المعنى البشري للوجود .

اتذكر هذه الازمة وانا انظر الى الموضة الجديدة لمحلات البقالة الضخمة التي تسمى ( مولات ) المشتقة من الجذر الفصيح الثلاثي ( مول ) والتي منها ما افتتح ومنها ما في طريقه ( للانفتاح ) وهذا أمر لاشب’ فيه من ناحية الخصوصية والهوية فهو لا يؤثر عليهما بل يجعلهما اكثر انفتاحا وشبعا ، ولا يهم هنا الاسعار ،فيكفي المواطن ان يدخل جنة المول كي يدفع على الصندوق بكل حداثة مدينية ممكنة اذ يكفيه شرفا انه دخل المول وخرج منه محملا بأجمل البضائع وأكثرها فائدة ، وكل هذا غير مهم فالتجارة شطارة وفهلوة ونية طيبة …… ولكن المهم هو الذهنية التي تقف وراء تأسيس وادارة المول هي النافر البشع من هذا المنظر … فاقامة مول تأسيا بالمنجزات الحديثة هو واجب قومي ووطني استثماري يشغل اليد العاملة ويحافظ على الاموال ( جمع مال ) داخل البلد ، ولكن ما الخدمة التي يقدمها المول السوري والتي تميزه عن البقالية او عن ابو طارق السمان ؟؟؟

لطالما توقعت ان يفتتح مول في بلادي تقليدا للمولات في بلادها فنحن كما العادة آخر من تصل اليه ( المبتكرات ) ونظل فجعانين ومتشوقين وعطشى حتى يحضر الينا هذا الانجاز او ذاك لنطحش علية بقلب اعمى ونشتري ونفاخر حتى ننفلق ، دون الالتفات الى حق او واجب وشكرا لله لأنه اعاشنا حتى نرى بأم اعيننا المولات والموبايلات والفاكسات والكومبيوترات والعديد من لوازم الاستهلاك المستعجل ، ولكن هل ذهنية الشطارة انتبهت الى السلع الاستراتيجية او المستقبلية او المعنوية ، هل يوجد مول في العالم دون صالات سينما ومسرح وفنون جميلة ، ومكتبة لبيع الكتب ؟؟؟ وهل هذه ( الاشياء ) لا تدر ربحا ؟؟ ام انها غير ضرورية بالمقارنة مع السكر والشاي والمنظفات ؟ أم على كافة المنتجات / السلع ان تخضع لرقابة وموافقة صاحب المول التاجر الشاطر ؟ أم ان كل هذه الاشياء ليست ضرورية للحياة ؟؟؟حيث تصبح النتيجة ( وبالناقص سيدي … دخيلك ) لنكتشف اننا مبكرين جدا على ثقافة المول وعلينا الانتظار طويلا قبل ان نتجرأ حضاريا ومدنيا على افتتاح المولات ، فالحاجات الانسانية حاجات متكاملة ، والفن منها ، فهو سلعة موضوعية استراتيجية ، ومن يريد ان يجعل من نفسه فهيما ان يخضع لمتطلبات الفهم لا أن ( يطرقنا منية ) على اساس انه ( فلق البعرة ) على اساس ان فهمه سبق فهم ابو طارق السمان ، ولكن مسؤوليته في المجتمع تطابق مسؤولية ابو طارق السمان رغم المليارات الموظفة في موله المتواضع ذهنيا .

من شاهد المولات في الخارج والخدمات التي تقدمها ( مأجورة طبعا ) يعرف تماما ان اصحاب المولات عندنا انهم (سمانة على كبير ) بالاضافة الى انهم متخلفين و بلا معارف تذكر … نعم لأنهم لم يضمنوا مولاتهم سلعا فنية .. ونعم لأن الفن يشكل خطرا عليهم وهم خائفون منه ، ونعم لأن الفن يكشف الفارق بين التجارة شطارة وفهلوة ، وبين التجارة مسؤلية اجتماعية وأخلاق .

اذهبوا واضيفوا الى مولاتكم اماكن لتلقي الفن والابداع ومنيتكن على حالكن ، لأننا سوف ندفع نقودا مقابل هذه الخدمة وستربحون ، فقط اقنعونا ان عقولكم على قد فلوسكم ، ويكفي بقى ولدنة ……