معاريف
انتصار حماس كان يجب أن يكون متوقعاً أصلاً. ففي كل مكان جرت فيه انتخابات ديموقراطية في الدول العربية انتصرت الأحزاب الاسلامية المتطرفة؛ هذا ما حصل في الجزائر قبل أن يلغي الجيش نتائج الانتخابات؛ هذا ما حصل في العراق حيث تسيطر الأحزاب الشيعية الدينية المتطرفة على البرلمان؛ وهذا ما حصل جزئياً في مصر حيث كانت الديموقراطية محدودة هناك. ويمكن القول ان عمق الأسلمة كعمق الدمقرطة. وبما أن الانتخابات في السلطة الفلسطينية كانت حقيقية فإن النتائج كانت متوقعة أيضاً.
ظاهرياً، هذا حكم الديموقراطية وعلينا الأخذ به. لكن الحقيقة هي أن فوز حماس يشكل ضربة للديموقراطية، ذلك أن الديموقراطية لا تتميز فقط بإجراء انتخابات مرة كل عدة سنوات، بل بقيام نظام ديموقراطي يتضمن حرية التعبير والمساواة في الحقوق بالنسبة للنساء ـ وهذان موضوعان يخوض الاسلاميون عليهما حرباً مقدسة. وكما شكل صعود النازية الى الحكم سنة 1933 ضربة للديموقراطية على الرغم من أن الأمر جرى جرّاء عملية انتخابية، كذلك الأمر بالنسبة لانتصار حماس، ذلك أنه يمكن أن تكون الغالبية أيضاً غير ديموقراطية في حال تمسكت بوجهة نظر توتاليتارية.
من المحتمل، وهذا ما نأمله، أن تؤدي عمليات الدمقرطة في العالم العربي الى ديموقراطية حقيقية أيضاً في نهاية المطاف، لكن لا يوجد في هذه الأثناء أي مؤشرات مشجعة على الأرض. ومن الصحيح القول ان اسرائيل ارتكبت أيضاً أخطاء فادحة شجعت صعود حماس، ومن الصحيح أيضاً أن من اقتلع أشجار الزيتون لا يحق له أن يسوق المزاعم جرّاء الاقتراع المثير للهلع الذي قام به الفلسطينيون، وصحيح أيضاً أن الاقتراع كان موجهاً أيضاً ضد الفساد في السلطة الفلسطينية وضد عجز قادتها ـ وقد أظهر استطلاع للرأي العام الفلسطيني أجري هذا الأسبوع أن غالبية المصوّتين لحماس مستعدون لتسوية مع اسرائيل.
بيد أن كل الأمور لا تقلل شيئاً من نتائج التصويت بالنسبة لمنظمة ارهابية أقسمت على تدمير اسرائيل وتستند الى تصور لاسامي، وذات لون نازي واضح. وهذا الأسبوع ذكرت مجلة "اكونوميست" اللندنية أن حماس ترفض أي تنازل عن أي قطعة أرض في "أرض اسرائيل" وتتهم رأس المال اليهودي بتشجيع الثورة الفرنسية، الثورة البلشفية والحربين العالميتين! وغالبية الناخبين الفلسطينيين مستعدون على الأقل للتسليم بهذا الموقف.
ثمة مغزيان قانونيان أيضاً لصعود حماس: السلطة الفلسطينية تحولت من نواة دولة على طريق السلام مع اسرائيل الى سلطة موجودة في حال حرب مع اسرائيل. وحال الحرب هو وضع قانوني لا يكون مرتبطاً بالقتال بالضرورة وحال الحرب تغيّر الحقوق القانونية للجماعة والأفراد. على هذا الأساس، لا يوجد ما يلزم اسرائيل الوفاء بالتزاماتها المطلوبة منها وفق اتفاقات أوسلو واتفاقات شبه السلام الأخرى، إلا في حال أعلن الحكام في السلطة عن أنهم سيلتزمون وسيتصرفون وفق هذه الاتفاقات.
كما تسمح حال الحرب لاسرائيل بفرض حظر تام على دخول رعايا العدو الى أرجائها، إلغاء اتفاقات تجارية وعدم توفير أي خدمات للسلطة التي أعلنت الحرب عليها. وفي مقابل هذه الحقوق يقف الاعتبار النفعي: من المناسب امتناع اسرائيل عن أي نشاط ينبع من هذه الحقوق طالما لا تتعرّض لنشاطات معادية وإرهاب وطالما لا يتعرض سكانها لذلك، باستثناء الحظر المفروض اليوم حول دخول رعايا العدو الى أرجاء اسرائيل. لكن في حال ترجمت حال الحرب الى قتال حقيقي، سيكون من حق اسرائيل من الناحية القانونية فصل نفسها عن الالتزامات التي أعطيت لسلطة أخرى، لسلطة كانت ملتزمة تجاه الخارج على الأقل بالتعايش مع اسرائيل.
من شأن صعود حماس مساعدة اسرائيل على المدى البعيد، ذلك أنها تدمج مسؤولية السلطة مع قوة الشارع ومن المحتمل أن تثمر هذه المسؤولية بعضاً من البراغماتية. ومن المحتمل أيضاً أن يؤدي صعود هذه القوة الاسلامية الى تقليص تأييد اليسار الغربي للفلسطينيين على المدى القريب.
على المدى البعيد ثمة صورة مغايرة آخذة في التشكل: شرق أوسط اسلامي، يقترب بسرعة من امتلاك السلاح النووي والصواريخ تسيطر عليه ايران كلياً، وهو يتضمن الأغلبية الشيعية في العراق والذي تصل جيوبه الى حدود اسرائيل ـ من الشمال بواسطة حزب الله، ومن الغرب والجنوب بواسطة حماس. وإذا ما أضفنا الى ذلك الهدف المعلن لدخول الفلسطينيين الى اسرائيل من أجل إيجاد أغلبية عربية في اسرائيل نفسها، يمكن عندها إدراك حجم المخاطر.
هذا الوضع يلزم الانضمام الى حلف دفاعي في إطار حلف الناتو. ومن المحتمل من هذه الناحية أن يؤدي صعود حماس الى إنجاز مثل هذا الحلف. لهذه الغاية ثمة ضرورة سياسية لضم دولة عربية واحدة على الأقل في إطار حلف الناتو.
إن التحوّل الايراني ـ الحماسي يعرض فعلاً للخطر بشكل ملموس الحكم الاردني والنظام الجديد في لبنان. كما أن هاتين الدولتين اللتين تتطلعان للانخراط في العالم العصري تحتاجان الى الحماية من جهة خارجية لوقف السيل العارم الاسلامي. إن دخول ثلاث دول من الشرق الأوسط ـ اسرائيل، لبنان والأردن ـ الى حلف الناتو من شأنه تغيير الوضع في الشرق الأوسط ووضع أسوار واقية أمام السيل العارم الخطير ـ الخطير لاسرائيل، الخطير للشرق الأوسط كله والخطير لمواطنيه وسكانه، العرب واليهود على حد سواء.