لم تحتمل الإدارة الأميركية‚ والاحتلال الإسرائيلي تلك الصفعة التي وجهها إليهما الشعب الفلسطيني‚ وعلى الوجه مباشرة‚ في الانتخابات الأخيرة‚ فكان فوز «حماس» تعبيرا عن خيارات الأكثرية الشعبية‚ مهما تكن الآراء‚ ايجابية أو سلبية أو حذرة مترددة إزاء هذه الخيارات‚ ففي النهاية مارس الشعب الفلسطيني حقا ديمقراطيا‚ ودخل في تجربة جديدة‚ تعطي الأولوية للمقاومة أسلوبا للدفاع عن الأرض والحقوق الوطنية من دون إقفال أبواب الحوار‚ وإغفال المعادلات الاقليمية والدولية الراهنة‚ والحرص على التحرك المدروس بين هذه المعادلات من دون التفريط بالحقوق الفلسطينية وفقا لإمكانات كل مرحلة‚

هذه الحالة الجديدة‚ لا تريدها طبعا واشنطن ولا تل أبيب‚ ولهذا رأيناهما تتعاملان بلغتين متقاطعتين متكاملتين مع الحدث الساخن الذي أصابهما‚ فالأولى هددت بقطع المعونة الاقتصادية وشاركها في ذلك حلفاؤها الأوروبيون‚ والثانية هددت بالإجراءات العسكرية والأمنية‚ ما لم تقبل «حماس» بالشروط السياسية التي تطالبها بها الإدارة الأميركية وإدارة الاحتلال‚ وهي شروط باتت معروفة لا حاجة للحديث عنها‚ والسؤال الكبير هنا: ماذا بعد هذه الشروط والتهديدات؟ وما هو الأفق السياسي الذي تفكر به الولايات المتحدة والاحتلال الإسرائيلي؟

واضح تماما‚ أن «حماس» لن تلبي شرط الاعتراف بـ «إسرائيل»‚ وأنها لن تتنكر لنهج مقاومة الاحتلال‚ وبالتالي فإنها إذا تعرضت لهجمات عسكرية أو عمليات أمنية (محاولات اغتيال القيادات والكوادر مثلا) فستتعامل كما كانت في السابق قبل فوزها في الانتخابات‚ ولن يغير وجودها في السلطة شيئا من بنيتها على هذا المستوى‚ أما فيما يتعلق بالشق الاقتصادي (قطع المعونة الأميركية والأوروبية عن الشعب الفلسطيني) فسيكون إذا حصل «ورقة» بيد «حماس»‚ ولو سبب مضايقة لها‚ ذلك أن الشعب الفلسطيني سيكون أكثر وعيا بمعاني هذه الضغوط‚ لأنه سيعرف أن العقوبة التي تنزل به هي عقوبة ضد حقه في الممارسة الديمقراطية وفي تحديد خياراته الوطنية‚ وبالتالي ليس من السهولة أبدا أن ينقلب على خياراته كما يتصور الأميركيون والإسرائيليون‚

وهكذا فإن التهديد الأميركي بقطع المعونة الاقتصادية‚ والتهديد الإسرائيلي بالعمليات العسكرية والأمنية‚ هما ورقتان صراعيتان وليستا بالضرورة لصالح الإدارة الأميركية والاحتلال‚ وستكون الأبواب مفتوحة في الأسابيع المقبلة على احتمالات كثيرة‚ فـ «حماس» التي فازت في الانتخابات تأسيسا على خيار المقاومة والإصلاح وبناء المؤسسات‚ أعلنت على لسان عدد من قادتها أنها ستتعامل بواقعية مع ما يحيط حاليا بظروف القضية الفلسطينية‚ وهي في ذلك تحرج كل من يمارس عليها ضغوطا‚ وتضع الجميع

أمام تجربة جديدة تقوم على إدراك جدلية العلاقة بين المقاومة والحوار‚