تنفس لبنانيون كثيرون الصعداء عندما اعلن ثنائي "حزب الله" وحركة "امل" مساء الخميس الماضي انهاء اعتكاف وزرائهم الخمسة في حكومة الرئيس فؤاد السنيورة. ومرد ذلك الى اسباب متنوعة لعل ابرزها خوفهم من تفاقم ازمة الاعتكاف وتحولها ازمة حكومية ثم ازمة وطن. ومن شأن ذلك في حال حصوله وضع البلاد على مفترق صعب بل خطير ولاسيما في ظل الانقسامات الداخلية الحادة والعميقة وحتى البنيوية وفي ظل الوضع الاقليمي المشحون والوضع الدولي الضاغط على المنطقة مباشرة ومن خلال الساحة اللبنانية. الا ان اللبنانيين كعادتهم راحوا يحاولون تفسير العودة عن الاعتكاف وطبعا كل من وجهة نظره السياسية وانتماءاته. وكذلك تنوعت اسباب العودة عندهم وتناقضت على جاري العادة. فبعضهم الذي لا يرتاح كثيرا الى ايديولوجيا الثنائي المذكور وخصوصا عموده الفقري "حزب الله" والذي يخاف ارتباطاته او بالاحرى علاقاته الاقليمية اعتبر العودة الى صفوف الحكومة نوعا من الانكسار. ونتيجة لخطأ الكثير من الحسابات التي اجرتها قيادته قبل الاعتكاف واثناءه، وهو يدعم اعتباره بعدم تجاوب الحكومة برئيسها والغالبية فيها مع المطالب التي رفعها الثنائي المذكور في بداية تعليق اشتراكه في الحكومة الامر الذي دفع الاخير الى التراجع وان بشكل منهجي ومدروس بحيث وصل في النهاية الى الاكتفاء بما ورد في البيان الوزاري عن المقاومة الذي نالت الحكومة الثقة على اساسه قبل اشهر وبكلام غير مباشر لرئيسها في جلسة الاسئلة والاستجوابات التي عقدها مجلس النواب قبل يومين.

والبعض الآخر من اللبنانيين اعتبر ان تسوية مشكلة الاعتكاف على النحو المعروف كانت نتيجة ادراك ثنائي "امل" و"حزب الله" ان الاعتكاف لن يحقق النتائج التي ارادها منه وانه على العكس من ذلك وحد صفوف الغالبية السياسية وغير السياسية الامر الذي ابقاه منفرداً ووحيدا على الساحة الداخلية، وقد يكون اثار ذلك تساؤلات معينة في الاوساط الشعبية التي يمثلها هذا الثنائي عن المستقبل ولاسيما في ظل اقتناعها بلبنانيتها وبان لا مكان آمنا وحرا لها الا لبنان.

والبعض الثالث من اللبنانيين يعتقد ان العودة عن الاعتكاف كان من اسبابه فشل ثنائي "حزب الله" و"امل" في اقامة حلف مع "التيار الوطني الحر" ممثل غالبية المسيحيين اللبنانيين في هذه المرحلة رغم العلاقة الجيدة معه والحوار المستمر وادراكه ان هناك امورا كثيرة لا يستطيع هذا التيار ان يتجاوزها لاعتبارات متنوعة داخلية وخارجية، ووعيه ان الانفراد يؤدي الى العزلة وخصوصا اذا ادى ذلك الى تكتل الآخرين الذين يشكلون غالبية.

والبعض الرابع من اللبنانيين يعتقد ان ثنائي "حزب الله" و"امل" ادرك ضرورة عودته الى الحكومة اولا من اجل عدم وضع من يمثل شعبيا تحت اغراء الابتزاز وتاليا شق الصفوف في حال تحول الاعتكاف استقالة. وثانيا من اجل ان يكون موجودا داخل السلطة التنفيذية في هذه المرحلة الصعبة من تاريخ لبنان والمنطقة بحيث يراقب كل ما يجري ويحاول جهده منع امرار كل ما يستهدفه ويستهدف حلفاءه الاقليميين في انتظار فرصة اخرى قد تكون اكثر ملاءمة له اذ تمكنه من تحقيق الكثير من اهدافه.

اي من الاسباب المفصلة اعلاه اقرب الى الحقيقة والواقع؟

ليس مفيداً الخوض في اسباب عودة الثنائي "امل" و"حزب الله" عن اعتكاف وزرائهما ولاسيما في ظل عقلية لبنانية غالبة يهوى اصحابها تحويل الخلافات مواجهات وصراعات وينتظرون إنتهاءها الى ربح من جهة وخسارة وانكسار من جهة اخرى، علما انه قد يكون في كل من الاسباب المذكورة ومن غيرها بعض الصحة. بل المفيد هو الترحيب بخطوة العودة عن الاعتكاف رغم ان لا شيء يؤكد عدم تجددها او تكررها او عدم حصول خطوات اخرى من الثنائي المذكور او من غيره. ذلك ان المرحلة الانتقالية التي يعيشها لبنان منذ 14شباط الماضي تقتضي تماسكا داخليا ورصا للصفوف وتمسكا بالمبادىء الكبرى لان مصير الوطن واستقراره هو على المحك حاليا وليس المصالح الخاصة والفئوية. والمفيد ايضا هو الاشارة في وضوح الى امرين اساسيين.

الاول، ان رئيس الحكومة فؤاد السنيورة اثبت مرة جديدة وبما لا يقبل الشك انه رجل دولة من طراز رفيع يضع مصالح البلاد قبل المصالح الاخرى على اهميتها ويتمتع بنعمة الصبر والحكمة وبالقدرة على التواصل مع الآخرين في اصعب الظروف. واثبت ايضا ان الحوار وحده هو السبيل لحل كل القضايا الخلافية في لبنان. اما الامر الثاني، فهو واقعية ثنائي "حزب الله" وحركة "امل" وتصرفه انطلاقا من حرصه على تهدئة الاوضاع في لبنان وعدم دفعها الى الانفجار لان الهيكل قد يسقط على رؤوس الجميع عندئذ. وهذه الواقعية مطلوب استمرارها. وهي تقضي في جملة ما تقضي، باعطاء مصلحة لبنان الاولوية على سائر المصالح من داخلية وخارجية وبالعمل على استعادة لبنان كل مقومات سيادته واستقلاله وحريته وبمشاركة كل اللبنانيين في اعادة بناء دولته القوية التي هي وحدها التحدي الحقيقي للمطامع الاسرائيلية وللغطرسة الاسرائيلية.