هل يمكن القول ان عودة وزراء "التحالف الشيعي" عن اعتكافهم يضمن بقاء الحكومة الحالية بحيث لن تواجهها بعد هذه العودة ازمات جديدة واسباب تدفع هؤلاء الوزراء او غيرهم للاعتكاف او الاستقالة؟ ولماذا كانت العودة مع ان الموقف لم يتغير كثيرا من وصف المقاومة لما ورد في البيان الوزاري؟

يقول مصدر وزاري انه لم يكن في وسع التحالف الشيعي الا ان يقبل بما اعلنه الرئيس السنيورة عن المقاومة أمام مجلس النواب، والا كان وراء الاكمة ما وراءها، عدا انه لم يعد مقبولا حيال الرأي العام ان يستمر الوزراء المعتكفون في مواظبة العمل في وزاراتهم بحجة تصريف الاعمال، وتحويل الحكومة باستمرار مقاطعتهم جلسات مجلس الوزراء الى حكومة تصريف اعمال ايضا. لذلك، كان لا بد من اتخاذ قرار بعودة وزراء "التحالف الشيعي" عن اعتكافهم لان سبب استمرارهم في الاعتكاف لم يعد مقنعا لاحد ولا مبررا ولا بد من البحث عن سبب آخر مقنع لتبرير الاعتكاف مجددا او الاستقالة. اذا كان في النية ترحيل الحكومة في توقيت معين.

وتتساءل الاوساط السياسية، هل ترتاح الحكومة ولو لفترة من الوقت مع عودة وزراء "التحالف الشيعي" عن اعتكافهم، ام ان مشكلات جديدة تنتظرها في الطريق وتعرضها لازمة جديدة.

ثمة من يقول ان استمرار اعتكاف وزراء "التحالف الشيعي" او استقالتهم لم تعد مقنعة للرأي العام وذلك بالاصرار على القول: ان المقاومة ليست ميليشيا وانه لا بد من البحث عن سبب آخر مقنع ويثير اهتمام الناس اذا كان في النية ترحيل الحكومة.

ومن الاسباب التي تشكل مبررا لاستقالة وزراء "التحالف الشيعي" او سواهم بغية دفع الحكومة برمتها الى الاستقالة:

اولا: فشل المساعي والجهود لمعالجة موضوع العلاقات اللبنانية – السورية، وذلك اما لتعذر التوفيق بين المطالبين بمعرفة الحقيقة في جريمة اغتيال الرئيس الحريري واعادة الثقة الى هذه العلاقات. واما عدم التمكن من الفصل بين موضوع التحقيق ومعرفة الحقيقة فسيكون الخلاف حول ذلك سببا لانقسام الحكومة واستقالتها.

ثانيا: ان يؤدي درس موازنة سنة 2006 واقرارها وما تتضمنه من اصلاحات جذرية تمهد لعقد مؤتمر بيروت للدول المانحة وضمان نجاحه. ومن هذه الاصلاحات عصر النفقات وزيادة الضرائب وخصخصة بعض المرافق، واجراء حركة تشكيلات ومناقلات وتعيينات ادارية وافية وقضائية. وهي حركة قد تثير خلافات داخل الحكومة وخارجها، بحيث يكون ذلك سببا لاستقالة وزراء لهم اعتراض على التعيينات اذا لم يؤخذ بمبدا التوافق وليس التصويت خصوصا في المواضيع التي تعتبر اساسية وان لم تذكرها المادة 65 من الدستور.

ثالثا: استمرار عجز الحكومة عن القيام بما هو مطلوب منها لخلاف بين اعضائها او لخلاف بين اهل الحكم ولاسيما مع رئيس الجمهورية، الامر الذي يفرض مع استمرار هذا الوضع، اشتداد المطالبة باستقالة الحكومة لعجزها وعدم قدرتها على معالجة الاوضاع الاقتصادية والمالية والاجتماعية. وقد جاء اول تنبيه الى ذلك من مجلس المطارنة الموارنة في بيانه الاخير الذي اسف فيه "لما وقعت فيه الدولة من شلل شبه تام على صعيد المؤسسات العليا من رئاسة الجمهورية التي يقاطعها كثير من الرسميين، الى الحكومة التي يستنكف بعض اعضائها عن المشاركة في اجتماعاتها، والمجلس النيابي الذي يغيب عنه رؤساء الكتل النيابية، الى مجلس القضاء الاعلى الذي ينتظر تعيين من انتهت ولايتهم من اعضائه لاتخاذ الاجراءات اللازمة للتحقيق في ما جرى من اغتيالات على الاراضي اللبنانية.

رابعا: انتظار انتهاء الهيئة الوطنية من وضع مشروع قانون جديد للانتخابات، مع ما يصير اتفاق عليه في مجلس الوزراء ومن ثم في مجلس النواب للمطالبة عندئذ باجراء انتخابات نيابية مبكرة على امل ان تأتي نتائجها مختلفة عن النتائج التي اتت بها الانتخابات الماضية، واما ان يقوم خلاف على هذا المشروع، فيكون ذلك سببا يبرر استقالة وزراء "التحالف الشيعي" او غيرهم بغية فرض تشكيل حكومة وحدة وطنية او اجراء انتخابات نيابية مبكرة. وهذا ما يكرر الدعوة اليهما "حزب الله" كي يختار المواطنون حسب رأيه من هو قادر على تشكيل مثل هذه الحكومة وتحديد الوجهة السياسية والاستراتيجية للبنان، ويجاريه في هذا الموقف الرئيس سليم الحص رئيس "القوة الثالثة" والنائب العماد ميشال عون رئيس كتلة "الاصلاح والتغيير".

ويرى البعض انه حتى في حال عاد وزراء "التحالف الشيعي" عن اعتكافهم فانهم قد يعملون على خلق الاسباب التي تبرر استقالتهم ومن ثم استقالة الحكومة برمتها توصلا الى تشكيل حكومة وحدة وطنية او اجراء انتخابات نيابية مبكرة على اساس قانون انتخاب جديد.

ويقول النائب وليد جنبلاط في حديث له عن قيام حكومة وحدة وطنية او اجراء انتخابات نيابية مبكرة "ان معناها ادخال العناصر او الفئات او الاحزاب التي سقطت في الانتخابات الى الحكومة وافقاد تحالف 14 آذار الغالبية"، هذا كل شيء وهو يظن من جهة اخرى "انه من خلال الانتخابات النيابية المبكرة، تستطيع القوى المتحالفة مع سوريا اعادة تغيير موازين القوى وافقادنا الغالبية".

الواقع، ان ما تطرحه قوى 14 آذار يخالف ما تطرحه قوى 8 آذار في هذا الصدد، فهي مع اجراءات انتخابات رئاسية مبكرة، حتى اذا كان لا بد من اجراء انتخابات نيابية مبكرة فانها تجرى في ظل رئيس جديد للجمهورية، وليس في ظل الرئيس الحالي لان هذه الانتخابات سوف تخضع عندئذ لتدخل ما تبقى من النظام الامني السوري في لبنان، وبالتالي لتدخل سوريا المباشر وغير المباشر فيها، سواء في تأليف اللوائح الانتخابية، او في ممارسة سياسة الترهيب والترغيب الخبيرة في ممارستها على مدى 30 عاما خصوصا بعد ترويع اللبنانيين بالتفجيرات والاغتيالات.