السفينة التي غرقت في عرض البحر جريمة طبيعية، لأننا في مجتمع فوضوي لا يتعلم ولا يحاسب. تتكرر الحوادث في نفس المكان، ونفس الظروف، ونفس الأسباب. ولولا لطف الله لرأينا كوارث اعظم. فالشركة البحرية الناقلة هي نفسها صاحبة المأساة التي وقعت قبل عامين فقط، في نفس البحر ونفس الظروف. بكل أسف الحادثة، الانسان لا قيمة له في مجتمعاتنا، فالسفينة لأسباب السلامة ممنوعة في اوروبا ومسموح لها في موانئنا.

السفينة أساسا محالة للتقاعد منذ سنوات من الملاحة، بحسب افادة شركة التأمين، في حين يدعي اصحابها انهم منحوا رخصة الى عام 2010، فكيف يعقل ان يسمح لها ان تنقل بشرا وهي لا تصلح لنقل البهائم؟ وكيف سمح لنفس الشركة صاحبة التجربة السيئة السابقة، ان تعمل في ظروف متراخية، الى درجة ان جهاز الارسال الذي هو اساس الاغاثة لم يعمل بعد خروجها من ميناء ضباء، أي اننا امام كارثتين: واحدة غرق السفينة ربما لعدم صلاحيتها، والثانية موت من نجا بسبب عطل جهاز طلب الاغاثة. هذه بكل وضوح جريمة لا حادث بحري عرضي. فالكثير من الاحياء ماتوا غرقا، لأنهم انتظروا زمنا طويلا حتى يكتشف احد غرق سفينتهم وموقعهم، في وقت صارت التقنية الحديثة تتيح حتى للقوارب الصغيرة ابلاغ اية سفن قريبة او سلطات بحرية عن وضعها.

وعندما قلت اننا في مجتمع فوضوي، فلأن الحوادث تقع كل يوم بسبب ضعف المسؤولية ونقص المحاسبة، وقدرة المخطئ على ان يفلت من العقوبة، فتتكرر اخطاء الجهلة وجرائم المخالفين. ومن لا سراة لهم هم ضحية غياب ثقافة المسؤولية وفقدان مبدأ المحاسبة، يصبحون مثل فئران المعامل المخبرية للاغذية الفاسدة والمطاعم غير النظيفة والطرق الخطرة والمستشفيات ذات التجهيزات المعطلة والمطارات المكتظة كحظائر الدجاج ومخارج الطوارئ المغلقة بالسلاسل والمدارس المعرضة للانهيار من اول زخة مطر، وهكذا.

لا يعقل ان يحشر ألف انسان على ظهر سفينة وهي غير صالحة للاستخدام، الا لأن هناك خللا في نظام العمل بأكمله.

وعندما نرى اكبر قاتل بيننا اليوم، وهو ليس السرطان او تنظيم القاعدة، بل حوادث السيارات، فان كثرتها مبررة لسبب واحد، وهو عدم أهلية السائقين للقيادة. وحتى تتضح الصورة فان زيارة واحدة لبعض مدارس تعليم القيادة تبين لماذا، وبالتالي لا غرابة في ان يكون على طرقاتنا مليون انتحاري. نظام امتحان القيادة في بريطانيا من الصعوبة بمكان، بحيث ان من يجتازه يستحق ان يقيم له اهله حفلة، حيث تباع بطاقات التهنئة، اما لدينا فالمسألة هينة.

سألت صاحبي، وهو واحد من آلاف السائقين اللامبالين، لماذا لا تربط حزام السلامة، فأفتى لي بأنها عملية مزعجة، ولذا يحتال عليه بربطه الى جانبه لتضليل الشرطة، وإسكات منبه السيارة. قلت ان الجهد في الاحتيال اطول من الجهد في الالتزام. ثانيا: ان صدمة بسيطة من سيارة خلفك بسرعة بطيئة، كافية لأن تقذفك من المقعد وتؤذي عمودك الفقري فتصيبك بالشلل.

لهذا فان مقتل ألف انسان في سفينة صدئة وجهاز استغاثة عاطل أمر طبيعي جدا.