نضال حمد – اوسلو

يبدو ان حملة الاحتجاج على الكاريكاتورات التي أساءت للرسول الأعظم محمد نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم قد تفاعلت كثيرا حتى أنها بدأت تفلت من أيدي العقلاء والحكماء والعلماء لتمسك بها أيادي غيرهم، خاصة من الذين يصبون الزيت على النار. العالم الآن بحاجة لمن يسكب الماء فوق تلك النار المشتعلة والتي تستعر يوما بعد يوم، وليس العالم بحاجة للذين يصبون زيتهم فوق نيران تحرق عالم هو أصلا ليس على خير ما يرام. عالم تتحكم به العقلية العنصرية الاستعلائية العدوانية في الغرب وتطرف بعض الجماعات الدينية في الشرق.

لقد أظهرت الرسومات المسيئة واللعينة مدى هشاشة العلاقة بين الشرق والغرب وبين الشمال والجنوب وبين العالم الأوروبي العلماني الذي يربط نفسه بالتحضر والتمدن وبين عالم الإسلام الذي يرفض ان يكون التمدن والتحضر والحريات على حساب مقدساته ورموزه الدينية. كما يرفض ان يربط الإرهاب به وبناسه وتعاليمه. يتضح من جولة المعارك الإعلامية والاحتجاجات الشعبية والمقاطعة الاقتصادية التي عصفت بالعلاقات الإسلامية الاسكندنافية وبشكل أقل الأوروبية أن الدول المعنية استسلمت لقوانينها التي تراعي الحريات ولو على حساب مصالح الشعب والدولة ومشاعر الديانات والأمم الأخرى. أما على الجهة المقابلة فقد أخذت بعض الردود الشعبية الإسلامية والعربية طابعا مرفوضا من قبل العقلاء والحكماء. فما شاهدناه مؤخرا في فلسطين وسوريا من ردود أفعال خرجت عن السائد والمألوف يتطلب موقفا واضحا وحازما من السلطات في البلدين،لأنه بكل بساطة لا يمثل الوجه الحضاري لكلا الشعبين ويضر بمصالح الأمتين. فهل من العقل السماح لبعض الفتية أو بعض المسلحين باحتلال وتهديد الأجانب وغالبيتهم العظمى من أنصار القضايا العربية؟؟ وهل يعقل ان تسمح السلطات في دولة هامة وذات سيادة وأمن بإحراق سفارتين أجنبيتين في يوم واحد؟؟

نعتقد في الوقت نفسه انه من غير المسموح لأي صحيفة في أي بلد كان أن تستغل حرية الرأي والتعبير للتشهير بنبي أو رسول أو كتاب مقدس. فحرية التعبير تنتهي على أعتاب وأبواب الآخرين،وحين تلج حرماتهم ووقت تبدأ التشهير بالآخرين. أما إذا كان القانون في أي بلد علماني او متمدن او حضاري يسمح بارتكاب الأعمال الحمقى والغبية فأن على حارس القانون والحريات الدينية والأخرى التعبيرية والصحافية ان يقف بوجه من يتخطى حدود العقل ويدخل في النفق المظلم جارا معه البشرية والإنسانية لظلام دامس،تذكرهم بمحاكم التفتيش وترويع الناس في زمنها الدموي العنصري على أساس ديني.

نشر الصحيفة الدنمركية يولاندس بوستن للكاريكاتورات قد لا يكون كما اعتقدنا سابقا نتيجة الجهل بالإسلام او عدم المعرفة بدين رسول الله وما يجوز وما لا يجوز في الإسلام. فقد نشرت صحيفة البوليتيكن وهي كبرى الصحف الدنمركية في عددها ليوم السبت (4-2-2006) خبرا جاء فيه ان:
" الصحيفة الدنماركية ـ يولاندس بوستن ـ التي نشرت صورا كاركاتورية تسيء للرسول الكريم محمدا (ص ) كانت قد رفضت في عام 2003 نشر رسوما كاريكاتورية للنبي عيسى (ع) بحجة انها تسيء للمسيحيين" وتابعت الصحيفة تقول أن كارستن يوسته الذي نشر الصور المسيئة للرسول الكريم محمد (ص) في صحيفة " يولاندس بوستن " علق على هذا الخبر قائلا ... انه لا يتذكر هذا الأمر. مع العلم ان الصحفي كارستن يوسته هو من ظهر على شاشات التلفاز وأبدى اعتذاره للمسلمين على فعلته الشنعاء. هذا وبامكان أي كان قراءة الخبر المنشور في الصحيفة الدنمركية على الرابط أدناه :
http://www.dr.dk/Nyheder/Indland/2006/02/03/234522.htm

في الختام اذكر انه في إحدى التظاهرات الكبرى التي شهدتها البلاد التي أقيم فيها منذ أصبحت بلاد العرب أوطاني فقط في قصيدة الراحل إبراهيم طوقان، والتي منحتني جنسيتها بعدما سقطت كلمات محمود درويش سجل انا عربي بضربة قاضية من برلمان بلد عربي شقيق يمنع الفلسطيني من التملك والوراثة والسفر ... في تلك التظاهرة حصل ان جاءني رئيس وزراء الحكومة حاليا في بلدي الذي أحب واحترم كما فلسطين، وهو أيضا زعيم اكبر أحزابه،كان يومها مدعوا لإلقاء كلمة في التظاهرة التي خرجت تضامنا مع الشعب الفلسطيني بعد مذابح مخيم جنين وحصار الرئيس الراحل ياسر عرفات. قال لي بكل وضوح : سوف لن القي كلمتي قبل ان تنزلوا تلك اللوحة وأشار بيده الى شابة افريقية كانت تحمل لوحة رسم عليها بخط اليد شعار النازية وعلامة تساوي بينه وبين نجمة داوود التي هي شعار كيان إسرائيل وجيشه الذي ارتكب مذبحة مخيم جنين. وفي تظاهرة سابقة فعل الشيء نفسه الكردنال ستانست إذ رفض التحدث في التظاهرة قبل إنزال لوحة مماثلة. أليس حمل اللوحة التي تساوي بين الإرهاب لنظامين متشابهين حرية تعبير في البلد الحضاري والديمقراطي الذي دافع ويدافع عن حرية الصحافة والتعبير والرأي. أم ان حرية التعبير تنتهي عند المحرقة اليهودية وورثتها في كيان إسرائيل ؟؟؟؟