اقتراح النائب غسان تويني في اول كلمة له في مجلس النواب "ان تقوم الحكومة بمبادرة حوارية مع "حماس" وتمد اليها يد المساعدة في الحوار مع اوروبا، واعتقاده ان المقاربة البراغماتية لـ"حماس" من شأنها ان تخلق اجواء ايجابية للبنان اذا احسن اللبنانيون ذلك" لقي صدى ايجابيا في الاوساط الرسمية والسياسية واهتماما لدى الديبلوماسية اللبنانية التي باشرت الاتصالات للوقوف على ردود الفعل العربية والدولية على فوز "حماس" في الانتخابات التشريعية وقد وصفت بانها كانت ديموقراطية وسليمة وآمنة وانتظار معرفة ماذا بعد ذلك.

وقد تضمنت التقارير الديبلوماسية التي تلقتها الخارجية اللبنانية معلومات وتحليلات حول ما يمكن ان يكون عليه الوضع في فلسطين بعد تشكيل الحكومة الفلسطينية الجديدة، وهل تكون حكومة ائتلافية اذا عادت "فتح" عن قرارها بعدم المشاركة فيها ام تكون حكومة من الاكثرية التي فازت بها "حماس".

ويبدو حتى الآن ان في داخل حركة "فتح" رأيا يقول بعدم المشاركة ولتتحمل حركة "حماس" وحدها المسؤولية في مواجهة متطلبات المرحلة المقبلة، ورأيا آخر يقول بالمشاركة اذا صار توافق على برناج يتضمن تصورا مشتركا حيال الاتفاقات المعقودة مع اسرائيل والاسس التي يمكن اعتمادها في مفاوضات سلام مقبلة ومنها الاسس التي تتضمنها "خريطة الطريق".

ويرى مصدر ديبلوماسي لبناني انه لا بد من انتظار تشكيل الحكومة الفلسطينية الجديدة وكيف سيتم التعايش بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس وحكومة "حماس" اذا لم تشارك فيها "فتح" وهل سيكون تكليف حركة "حماس" تشكيل الحكومة مرتبطا بشروط مسبقة ام لا، وذلك بعد مشاورات اجراها كل من الرئيس الفلسطيني وقادة "حماس" مع دول عربية وغربية.

ويضيف المصدر نفسه انه من السابق لاوانه معرفة السياسة التي ستنتهجها حركة "حماس" بعد ان اصبحت في السلطة وهل ستتخلى عن العنف وعن سلاحها ليصبح محصورا بسلطة الدولة وحدها، وهل ستعترف بوجود اسرائيل ام ان هذا الاعتراف مرتبط بتنفيذ اسرائيل قرارات مجلس الامن التي تدعو الى الانسحاب من الاراضي الفلسطينية التي تحتلها، ونكتفي في الوقت الحاضر باعلان هدنة طويلة تتيح اجراء مفاوضات سلام في اجواء هادئة.

ومن جهة اخرى لا يمكن الحكم على سياسة "حماس" التي كانت تنتهجها وهي خارج السلطة، ولا اتخاذ مواقف سلبية مسبقة مثل التهديد بقطع المساعدات المالية وعدم التعاون معها، لانها قد تكون، وهي في الحكم، على قدر المسؤولية التي اولاها اياها الشعب الفلسطيني وتتخذ القرارات التي تحقق له الامن والاستقرار. والتوصل الى قيام دولة فلسطينية الى جانب الدولة الاسرائيلية، والعودة عند معاودة المفاوضات الى خطة خريطة الطريق، كأساس لحل القضية الفلسطينية، والى مقررات قمة بيروت عام 2002 التي تحدثت عن استعداد جميع الدول العربية للموافقة على اقامة علاقات مع اسرائيل بعد اقامة الدولة الفلسطينية.

ولا بد ايضا من انتظار نتائج الانتخابات الاسرائيلية المقبلة لمعرفة من سيفوز فيها ويكلف تشكيل الحكومة الجديدة واي سياسة ستعتمدها حيال عملية السلام، وهل ان "خريطة الطريق" برعاية اللجنة الرباعية لا تزال صالحة ومقبولة لبلوغ السلام الشامل في المنطقة.

وكما تضغط الولايات المتحدة الاميركية والاتحاد الاوروبي على حركة "حماس" وتربط مدها بالمساعدات بشروط ينبغي ان تمارس هذه الضغوط على الحكومة الاسرائيلية بحيث تكون التنازلات متبادلة وليس من طرف واحد.

الامين العم للجامعة العربية عمرو موسى دعا في حديث الى العودة الى قمة بيروت العربية لحل النزاع الاسرائيلي الفلسطيني وذلك بانشاء دولة والاعتراف بدولة اسرائيل والتزام حل قضية القدس من طريق المفاوضات. كما دعا الى التعايش بين رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس وهو من تنظيم "فتح" وحركة "حماس" التي فازت بالغالبية التشريعية الفلسطينية التي تمكنها من تشكيل الحكومة الجديدة ايا تكن صيغة التشكيل.

وهكذا يبدو الوضع في فلسطين شبيها بالوضع في لبنان بالنسبة الى التعايش الذي فرضته نتائج الانتخابات في كلا البلدين، وهو تعايش لا يخلو من التجاذبات السياسية. ومن خلافات على المواضيع المطروحة تحول دون بتها، الامر الذي ينعكس سلبا على عمل المؤسسات ويعرضها لبعض الجمود والشلل، الى ان يتم التوصل الى حل لهذه الخلافات.

وقد يكون ثمة ترابط بين السياسة التي ستنتهجها "حماس" بالنسبة الى سلاحها وسلاح الفصائل الفلسطينية الاخرى ووضع السلاح الفلسطيني في لبنان وكذلك وضع سلاح "حزب الله" بحيث يسهل التوصل بالحوار الى حل له.

ويقول مسؤول "حماس" في لبنان اسامة حمدان في حديث له، ان فوز "حماس" سيترك انعكاسات على المستوى الفلسطيني العام وما يتعلق بالواقع الفلسطيني في لبنان. لكن المسألة لن تحدث بين ليلة وضحاها، بل ان الامور ستترتب بالتدريج وبشكل تلقائي وستحتاج الى الوقت اللازم لبحث السلاح الفلسطيني في لبنان وذلك في اطار العلاقة الفلسطينية اللبنانية التي تضمن حق العودة للشعب الفلسطيني مع ضمان امن لبنان وسيادته.

ويرى رئيس لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني السفير السابق خليل مكاوي انه بعد فوز "حماس" وما عرف عنها من جدية ودراية بقضايا تخص الشعب الفلسطيني، سوف تنظر بايجابية الى بت مصير السلاح الفلسطيني خارج المخيمات ليصار بعد ذلك الى البحث فيه داخل المخيمات بالاتفاق بين الفصائل الفلسطينية والدولة اللبنانية، لانه يجب ضبط هذا السلاح وتنظيمه حتى لا يؤثر على الاستقرار في لبنان ولا يشوه القضية الفلسطينية ويحرض عليها الرأي العام. كما يرى ان السعي الى تنظيم السلاح داخل الاراضي الفلسطينية، يصب في خانة ايجابية، وهو يستبعد ان يلعب الملف الاقليمي دورا في استخدام هذا السلاح لاغراض في لبنان، لان الشعب الفلسطيني سينظر الى مصلحته الوطنية، بغض النظر عن التناقضات الاقليمية ويرفض ايضا ان يكون ورقة لأي طرف، ليحافظ على حقه الانساني والسياسي فقط، مثل حق العودة بموجب القرار 194 وتحسين الظروف الانسانية في المخيمات في انتظار الحل الجذري لقضيته.

وكانت "حماس" عندما جرت المحادثات بين الفصائل الفلسطينية والحكومة اللبنانية مؤيدة لتشكيل وفد فلسطيني موحد يعبر بموقفه عن آراء الجميع، وهو ما يؤمل تحقيقه عند معاودة هذه المحادثات.

لكن ثمة من يخشى ان تعمد "حماس" في مسألة السلاح الفلسطيني في لبنان الى الحرص على التوازن بين الالتزامات الفلسطينية والالتزامات الاقليمية، واحتمال خضوع هذا السلاح لصراع حول من يتملك الاوراق الفلسطينية، بحيث ان "حماس" قد تقع في مأزق بين النظام الاساسي والنظام التشريعي عندما تطرح الحكومة الفلسطينية الجديدة بيانها الوزاري.

لذلك، فان هذه الصورة الغامضة حتى الآن تفرض في رأي بعض الوزراء قيام الحكومة عاجلا بمبادرة حوارية مع "حماس" كما اقترح النائب غسان تويني من اجل خلق اجواء ايجابية للبنان تكون مؤاتية للبحث في المواضيع التي تخص العلاقات اللبنانية – الفلسطينية.