ربما يحمل القلق من المستقبل خطوات إضافية للبحث عن مؤشرات التعامل السياسي الدولي مع دمشق، لكن هذا القلق من القادم "الخارجي" لا يحتاج فقط لمراجعة بل لاستبدال منهج التفكير، لأن الميزان السياسي لم يعد يحتمل الانكفاء بانتظار الحدث، أو اعتبار المتغير الدولي ناظما لحركتنا الداخلية.
عمليات الانتظار القاتلة اليوم لا يمكنها أن تلبي قدرتنا على التحرك، فإذا كانت المعارضة السورية تترقب الإجراء الحكومي، والحكومة تحضر لما ستسفر عنه برامج الإصلاح، فإن عملية الفصل بين الاثنين تبدو افتراضية لأبعد الحدود. فالإصلاح لا يحمل مقترحات مغلقة على ذاتها، والمعارضة ليست قادرة على رسم آفاقها بمعزل عن الحكومة، وهذا الأمر لا ينطبق فقط على سورية، بل هو ضمن جدلية التحرك السياسي.

من الناحية العملية فإن حرب البيانات التي تحتدم على المساحة الافتراضية للانترنيت تشكل مأزقا مع ظهور مؤشرات للتأزم أكبر مما توقعنا. فما حدث قبل يومين من إحراق للسفارة الدنماركية يقدم لونا على الجميع قراءته وفهم طبيعة الميزان السياسي الواجب رسمه بشكل يتوافق والمرحلة الحالية. وإذا كانت مشاريع الأحزاب مقتصرة على تبادل وجهات النظر فإنها تدخل في مرحلة الانتظار ... أو الدخول في المستقبل على خلفيات مبهمة ..

لم يعد سرا أن الأحزاب السورية لا تملك سوى العنوان العريض المعروف سلفا سواء تعلق بالحوار الوطني أو حتى المطالبات بإلغاء قانون الطوارئ .. ولكن هل المشروع السياسي قائم على هذه العناوين؟!!

إنه سؤال مشروع مادمنا نقف اليوم عند حدود تحالفات غامضة تجمع بعضا من التيارات السورية، أو الشخصيات السورية، بأحزاب مناقضة لها .. وربما يكون القاسم المشترك هو العنوان العريض الذي يحتاج بالفعل لإعادة تفكير....

لا أحد ينكر أن مسألة "الحوار الوطني" شأن هام ليس في هذه المرحلة، بل مطلب دائم، لكن هذا الحوار لا يمكن ان يكون معلقا في الهواء .. فهل ما يدعى بأحزاب سورية أو تيارات قادرة على تمثيل الحوار الوطني .. وهل يمكن البدء فيه دون أجندة أو حتى مشروع وطني ... والسؤال الأهم: هل يمكن لهذا المشروع أن يكون معزولا عن الحكومة والترتيبات السياسية المطروحة؟

يبدو ان المكاشفة ستكون هي الأساس .. وربما علينا التوقف قليلا لإلغاء الحالة الافتراضية ما بين مشروعين، لأن المستقبل أهم بكثير من الغرق اليوم في العناوين العريضة.