إبراهيم اليوسف

لعلّي أشعر بالتقزّز - حقّا ً- عندما أجد أن هناك من يتحدّى أية قناعة مقدّسة لدى الآخر، أياّ ً كان ، منطلقاً بذلك من ذرائع ملفّقة ، سواء أكانت مبنيّة على قاعدة زعم حريّة الرأي ،أو إلغاءالآخر ، أو سواهما، وهو سلوك مرفوض، ينمّ عن جهل حقيقي بثقافة الآخر ،وانتهاكاً لحرماته،ومقدساته ،سواء أكان ذلك بحق ّتماثيل بوذا، أو اعتداء على كنيسة، أو كنيس ،أو مزار إيزيديّ، أو زردشتيّ ، أو أيّة صومعة ، أو معبد ،أو أيّ مقدّ س ديني ّ، لدى أيّ شخص ، أو شريحة ، أو فئة ، أو طائفة ، أو قوم ، أو ملة ،سيان إن كبرت أو صغرت ...........!

وبدهيّ ، أنّه حين يتمّ تصعيد مثل هذا الاعتداء الآثم على أحدالمقدّسات والرّموز أو الرّسل ، وكما في حال محاولة الاعتداء على الرّسول الكريم محمّد ( ص )، فإنّ للأمر صدى ذا خصوصية ،وبعداً آخر ، لدى السّواد الأعظم من أبناء البشريّة، على مختلف الملل ، والنّحل ،والمعتقدات ، والأديان ،حين تكون المنظومة الأخلاقية سليمةً ، معافاةً ، غير معطوبة ،وغير ملوّثة، وعندما ننطلق من الالتباس الفظيع الذ ي يتمّ - الآن على أشدّه - وبتخطيط ملحوظ ،بين الإسلام كجوهر ،وكزعم،وإدّعاء،وبعيداً عن ديدنه السمح، وهو-نفسه - ما يمكن قوله، إزاءأي اعتداء على الرسل والنبيين والمقدسات،بهذا الشّكل، أو ذاك ، من المؤامرةالمفضوحة!............

شخصيّا ً ، عندما اطّلعت على هذه الرّسوم المشمئزة المسيئة للرّسول عليه السلام ،والمنافيّة للقيم والأخلاق ، انتابتني قشعريرة من هول ما رأيت ، ورحت أقوم بمحاكمة ماأراه ، والبحث في دواعي وأسباب هذه الفعلة النكراء ،المرفوضة، ولعلّي - على الفور خمنت ، وانطلاقا ً من طبيعة هذه الرّسوم الكاريكاتيرية ، أنّها ردة فعل عمياء ، غبيّة على الإرهاب المتأسلم ، هذا الإرهاب الذي يتحمّل - قبل أيّ آخر- القسط الأكبر من الإساءة إلى الإسلام ، وإن مثل هذه الرّسوم هي نتاج أصداء عمليات الذّبح الوحشيّ- ولم أقل البيهيميّ البريء في أمثلة كثيرة - بحقّ الأبرياء، ومنهم المسلمون الحقيقيون ،باسم الإسلام، ومن قبل الحفنة الدخيلة على هذا الدين، من قبل هؤلاء "المتأسلمين"" التكفيريين " الذين هم - في جوهرهم - وحوش بشرية، تشكّل أخطر وباء عصريّ، على الإطلاق ،تتوزع أربع جهات الأرض،وتخلو قلوبها من أيّة مشاعرإنسانية ،وهي في تصوري أشدّ بشاعةً مّمن رسم ، أو نشر ،أو آزر هذه الحملة البربرية الشعواءعلى المسلمين، والرسول الكريم....

ومن عجب ، ألا يتمّ فهم أبعادهذه المؤامرةمن قبل المؤسّسات الإعلامية والرسمية الإسلامية - ولاأقول العربيّة - التي راحت تتناول- الحدث - من زوايا ضيّقة ، ووفق حاجة موقوتة - مع أنها ستنقلب عليه- كمن يحتضن "الأفعى" ليدفئها بحسب الأسطورة الكردية - في الوقت الذي كان ينبغي فيه الردّ على هؤلاء بحكمة ، وعقلانية ، من خلال إظهار الوجه الحقيقي للإسلام ، ومن خلال التركيز على إنسانية ، وخصال الرّسول ، إعلاميّا ً وثقافيّا ً،وعبر حوار راق، دعا إليه الرّسول نفسه ، دون أن يتمّ تأجيج العواطف ، وتحريك الشارع تجاه هذه السفارة ، أو تلك الكنيسة ، وهو سلوك ينمّ عن عجز الاحتجاج ، وقصور ذهنيةالمحتجّ ، لاسيما عندما يسهم في استفحال الأزمة ، أو الإساءة إلى الآخر، كما تم إزاء الاعتداء على إحدى كنائس بيروت ،بأسف ، دون أي مسوغ ، بل نتيجة إنفعال جاهليّ ، أو مخطط له بلؤم ،وخساسة......!

ومن هنا ، إنّ هذه الأعمال الشنيعة التي تمّت تحت سطوة حمّى إسلامويّة ، لا إسلاميّة ،ومن بين من انساق، وانخرط في لجتها ،بالتأكيد، آلاف الذين لا يعرفون ماذا يفعلون ، بل راحوا يتصرّفون بمحض نوايا طيبة ، وتم ّاستغلالهم - أسهموا في تحقيق المخطّط الذي تحرّكت الحملة -أصلا ً- من أجله ،بل وللأسف ، ترسيخ ما وراء خطوط تلك الرّسوم ، في ذهن الغربيّ ،البسيط،الذي بات التأسلم يحيله- عبر لا وعيه - من خلال أي حادث تفجير ، أو تفخيخ ، أو ذبح ، من الوريد إلى الوريد - زرقاويا ً - ولاأقول إسلاميّا ً ، معاذ الله ،إلى الإسلام الحنيف، وهو ما تسهم جهات كثيرة ، مدفوعة من ديدن مصالحها الاستبدادية ، لترسيخ هذه الصورة المشوّهة في الأذهان....!.

أجزم ، أن مثل هذه المسيرات ، كان يجب أن تبدأ ، ومن كل العواصم العربية والإسلامية ، بأكثر ، عندما يتم ّذبح شرطي عراقي بريء ، أو اختطاف صحفي ، أو ناشط في حقوق الإنسان ، أو عامل بائس ، من قبل عصابات الإرهاب التي تتحمل - مع من وراءها - وزر أية فهم خاطىء لجوهر الإسلام ، ونبيه ، وبنيه على مختلف لغاتهم ، وأقوامهم ، وهم أبناء هذه الأمة..........

وأخيراً ، هل سنشهد قريبا ً أن حكومة العطريّ قد قدّمت استقالتها، لما وجده من صورة غير حضارية ،للأسف ، من حرق للسفارات الدانماركيّة ، والنرويجيّة،في دمشق ،مع أن قوات حفظ النظام، تقمع أي اعتصام سلمي ،عادة ،يقوم به ، ولو ناشطون من أجل حقوق الإنسان، احتجاجاًعلى الانتهاكات الفظيعة بحقّ المواطن،وفي تصوري ، إنّ ما تمّ بعيد عن أخلاقياّت المواطن السوري، وهو يدلّ عن عمق سحيق في الأزمة والصراع داخل النظام ، ومحاولة من القوى التي لا تريد الخير للوطن والمواطن- من داخله - لخلط الأوراق، كي يتمّ تناسي ما اقترفته بحقّ مواطنها ،فسادا ً واستبداداً، على امتداد عقود .......مضنية.......حقا ً........!! .