كانت ألسنة اللهب وسحب الدخان المرتفعة من مبنيي السفارتين الدنماركيتين في كل من بيروت ودمشق مؤشراً إضافياً على ان شعار وحدة المسار والمصير بين البلدين ما زال صالحاً، وما زال قابلاً للاستخدام في رسم صورة مطابقة لدولتين اهتزتا في وقت واحد بعنف، وشهدت مؤسساتهما السياسية والأمنية انتقاصاً خطيراً من مصداقيتها او شرعيتها.
من دون أن تأتي الأوامر من دمشق، والأرجح انه لم تصدر مثل هذه الأوامر، كانت صور إحراق السفارة الدنماركية في العاصمة السورية كافية وحدها لحث بعض المتظاهرين اللبنانيين على إشعال النار في الممثلية الدنماركية في بيروت، على الأقل من اجل مسايرة اشقائهم السوريين او ربما منافستهم... برغم علمهم المسبق ان ما جرى في البلد الشقيق قد لا يكون عفوياً او عشوائيا!
المحصلة الأولية كانت متقاربة في العاصمتين:
في دمشق، كانت الدولة السورية تفقد بعض صورتها أمام العالم وبعض هيبتها ونفوذها أمام مواطنيها، حتى ولو كان المتظاهرون الذين احرقوا السفارة الدنماركية في دمشق ينتمون الى اجهزة امنية سورية ارادت ان تقطع طريق الاحتجاج على المعارضين الاسلاميين... تماماً كما جرى في معظم الدول العربية والاسلامية التي ارسلت رجال استخباراتها للتظاهر واحتلال الشارع قبل ان يحتله الاسلاميون!

اما في بيروت، فإن الدولة اللبنانية كانت تخسر بعض غطائها الدولي، وتضيع ما تشكل مؤخرا من حضورها الداخلي... ولا تجد في مؤسساتها السياسية والأمنية قوة تواجه او حتى تنافس المتظاهرين، ولا تستطيع ان تعثر على العدد الكافي من رجال الاستخبارات لإنزالهم الى الشوارع، ما أدى الى احساس اللبنانيين جميعاً والمسيحيين منهم بشكل خاص انهم من دون حماية كافية من خطر الفوضى.

الفارق الوحيد بين ما جرى في العاصمتين هو ان تظاهرة بيروت لامست حدود الحرب الاهلية وحركت بعض كوابيسها المزعجة، بينما بددت تظاهرة دمشق مثل هذا الخطر... برغم ان الرعاع الذين اشعلوا حريق الاشرفية ساهموا بشكل غير مباشر في ترسيخ رغبة اللبنانيين وقدرتهم على تخطي ماضيهم المشؤوم، الذي جرت مؤخرا اكثر من محاولة مشبوهة لإحيائه.
لكن احداً لا يستطيع ان ينكر ان تلازم الحريقين اثبت ان وحدة المسارين ما تزال سارية المفعول على الأقل بالنسبة الى الدنمارك وبقية دول العالم التي لا بد انها سجلت ان تصرفات اللبنانيين والسوريين وردود افعالهم ما زالت واحدة، وهي لم تتأثر كثيراً بعملية فك الارتباط بين البلدين، التي يديرها المجتمع الدولي بناء على قرار مجلس الامن الرقم 1559.

حريق في دمشق يمتد الى بيروت: الاستنتاج يناقض أسوأ التقديرات، ويخالف جميع التوقعات، لكنه يطرح سؤالاً دولياً واحداً حول حضور الدولة وسلوكها في العاصمتين... من دون ان يعني ذلك بالضرورة ان الرد على هذا السؤال سيكون واحداً في البلدين، اللذين جمعهما الكاريكاتير الدنماركي بعدما فرقتهما الأقدار!