فقد الاتحاد السوفياتي نحو 27 مليون بشري في الحرب العالمية الثانية، أي 90 ضعفا ما خسرته الولايات المتحدة. وكان عدو الاثنين الاول، المانيا واليابان وايطاليا، او ما سمي دول «المحور». وبعد الحرب الحارة وملايين القتلى، قامت «الحرب الباردة»، أي الصراع غير المباشر ودفع الآخرين الى الاقتتال والموت. واصبح السوفيات في مواجهة اميركا واوروبا الغربية. واقتطعوا لأنفسهم دول اوروبا الشرقية واغلقوا عليها الابواب، كما اخذوا جزءا من المانيا واقاموا جدار برلين. وامضينا شبابنا نتابع صراع الامم ونشعر بالخوف. واهرقنا سنوات طويلة في قراءة الافكار والافكار المضادة. ومن حول واشنطن وموسكو تكتلت الدول وانقسمت القارات. وتحاربت الهند مع الصين. وانفصلت كوبا عن الساحل الاميركي المقابل. واختلطت قضايا الارض ودولها. ومن اجل ان تحمي اميركا نفسها من روسيا المستقبل عقدت حلفا مع الصين. وخرجت من فيتنام لكنها ظلت في كوريا. وكان بعض اوروبا الغربية يحاول طوال الوقت ان يلتحق بأوروبا الشرقية. الايطاليون اقاموا اكبر حزب شيوعي. والاسبان اقاموا حربا اهلية. وفرنسا كان فيها 5 ملايين انسان يقترعون للمرشح الشيوعي للرئاسة.

كل ذلك كان خلال عمري ومهنتي. واليوم روسيا حليفة الصين. واوروبا الشرقية في اوروبا الغربية. وحليف اميركا الاكبر وصديق روسيا الاول، دولة تدعى المانيا. ولم يعد هناك جدار او مخفر بين شرقها وغربها. ونصف اوروبا الشرقية اصبح جزءا من الوحدة الاوروبية. ولا حدود فاصلة. والنقد واحد. وأقبية التعذيب في براغ وفرصوفيا وصوفيا وبودابست، اصبحت فنادق ومقاهي للسياح الاميركيين. والشركات السياحية الاميريكية تغزو مدينة هوشي منه في الفيتنام. وكان سفر الغربيين الى روسيا اعقد بكثير من سفرهم الى الفضاء. والآن لا يحتاجون الى تأشيرة. واقرب الحلفاء الى اميركا، اليابان والمانيا. وجنود بولونيا يقاتلون الى جانبها في العراق، بعدما كانوا يقاتلون في افريقيا الى جانب الاتحاد السوفياتي. وعندما اقرأ الكتب الصادرة حديثا عما كان عليه العالم قبل ربع قرن فقط، اشعر بحيرة تشبه الدوار.

وأقرع رأسي بقبضة يدي لأتأكد من انه في مكانه، وان العالم هو الذي تغير وليس ذاكرتي هي من اصيب بالاهتراء. واسأل نفسي كيف كنت افكر في الستينات وفي السبعينات ولمن كنت متحمسا اشد الحماس، ثم اتأمل حال العالم وأرى كيف تغير وجه الارض، واقول، من أجل مَن وماذا أضعت كل تلك المشاعر. ولست نادما. لقد اضعتها من اجل مشاعري. الامم تتغير، أما الاحاسيس فواحدة.