في عاصمة الكثلكة، حيث كنا أمس – ساسة ومفكّرين وصحافيين من أقصى اليمين الى أقصى اليسار نكرم الشهيد الذي دعا المسيحيين والمسلمين الى القَسَم بالله الواحد الأحد العظيم "أن نبقى موحّدين الى أبد الآبدين دفاعاً عن لبنان العظيم"...

في عاصمة البابا يوحنا بولس الثاني الذي عمّد لبنان "رسالة أكثر منه وطناً" وقدّمه للعالمين "نموذجاً للتعايش الديني والحوار بين الحضارات"...

في روما هذه بدا لبنان فجأة مرتعاً للذين اغتالوا جبران تويني، مستهدفين القَسَم والرسالة، بتجاوز الإحتجاج على صحيفة خرجت على حدود الحرية واحترام الأديان الى الاعتداء على الكنائس والمعالم الدينية وكأنها بذلك تطعن في صحة القَسَم التوحيدي، بل تطعن في "الرسالة" اللبنانية لتصنّف الوطن – الرسالة الى جانب العراق وسواه حيث أُحرقت كنائس بالأمس للاسبب... والى جانب الأنظمة التي لا تجد وسيلة للاحتجاج غير الحرائق والتكسير وتسييد العنف الغوغائي على السلام الاجتماعي باسم "دولة النظام والقانون"...

القراءة الهادئة المن بعيد تجعلنا نقارب بين الفلتان الغوغائي الذي لم يتمكّن حتى الزعماء الدينيون العقّال من ردعه، والتظاهر السلمي الذي دعا اليه الزعماء السياسيون في 14 شباط، ذكرى قمة الاغتيالات واستشهاد الرئيس رفيق الحريري... فنتساءل ألم يكن القصد التمهيد للحؤول دون اظهار الوحدة في الغضب ضد الغوغائية وتسييدها على لبنان الحلم الاستقلالي الحريري، حلم الإنماء والإعمار والنهضة الوطنية.

ثم يمضي واحدنا في التساؤل الى أبعد، وصولاً الى الحدود السائبة حيث تفتعل اسرائيل، في اليوم ذاته، حوادث تقود لبنان الى الخروج على الشرعية الدولية التي تحاول تحصينه...

... بالذات لأن النموذج الاسرائيلي هو نقيض الرسالة التعايشية اللبنانية، ولأن استراتيجية الدولة العبرية تهدف منذ أيام الصهيونية الأصولية الى تشجيع قيام كيانات دينية تبرر وجودها، فتجد في كل حركة أصولية الى أي دين أو طائفة انتسبت حليفاً موضوعياً لستراتيجيتها التاريخيةّ.

فحذار الرد على إحراق الكنائس بالعودة الى طرح الكيانات الطائفية الانعزالية – المسيحية وسواها كحل للخروج من الصراعات القبلية المتلبّسة بالأديان.

من أين يبدأ الحل إذن؟

من نزع "مسمار جحا" في حربنا مع اسرائيل، ألا وهو حكاية شبعا ومزارعها، فنعود الى الأمم المتحدة (حاضنة الشرعية الدولية الأرفع والأبدأ حتى من السيادة الوطنية) لنطلب رسمياً من مجلس الأمن، في إطار الشكوى اللبنانية، أن يتولى هو حسم مسألة لبنانية شبعا وترسيم حدود نهائية ينتشر عندها الجيش اللبناني في ظل قيادة القوة الدولية (يونيفيل) التي عهدت اليها قرارات مجلس الأمن الأصلية في "مساعدة الدولة اللبنانية على نشر قواتها دون سواها على كامل الأراضي اللبنانية المحتلة"...

فماذا يمنع الحكومة – وقد استعادت مشاركة "حزب الله" – أن تتقدم بهذا الطلب باسم حكومة يشرعن وجود "حزب الله" طلبها، فتشرعن وجوده هناك إلى جانب الجيش وبالتنسيق معه؟