هآرتس
العنف الذي يرافق أعمال الاحتجاج في العالم العربي والاسلامي ضد الدول الأوروبية التي نُشرت فيها رسوم كاريكاتورية للنبي محمد، جدير بالتنديد والشجب الشديد. يتعين إدانة عمليات إحراق السفارات، مقاطعة البضائع، أعمال الخطف والضرب، وبالطبع أيضاَ كل دعوات قتل منتهكي حرمة الاسلام.
ومع ذلك، لا يمكن عدم تفهم مشاعر الإهانة لدى المسلمين في العالم، بما في ذلك المسلمين في المناطق الفلسطينية وفي دولة اسرائيل. فدعوة الغرب إلى تعدد الحضارات كقيمة لا يمكن أخذها على محمل الجد ما لم تشمل المتدينين والعلمانيين، ابناء الطوائف المختلفة والأقليات الدينية، المسلمين والمسيحيين. ولا يمكن لأي مجتمع البقاء في حال من اللامبالاة إزاء المنشورات المسيئة والمهينة للقيم المقدسة التي تخص مجموعات من داخل المجتمع.
نشر هذه الرسوم الكاريكاتورية هو عبارة عن إبراز لغياب الاحساس ـ وهكذا يتعين التعاطي أيضاً مع اعادة نشرها في وسائل اعلام أوروبية، أرادت التعبير عن تضامنها مع المبادرين الأساسيين للنشر.
من شبه المؤكد أن الصحيفة الدنماركية "يولندس بوستن"، التي كانت أول من نشر الرسم الكاريكاتوري ـ فعلت ذلك قبل أربعة أشهر، واعتذرت عن ذلك النشر في هذه الأثناء ـ لم تكن تقصد استفزاز المسلمين واثارة غضبهم. ومن المحتمل أنه وفي التوقيت الصحيح أيضا كان يمكن لرئيس حكومة الدنمارك منع الضرر الفادح الذي وقع لو وافق على عقد لقاء مع سفراء الدول العربية، ويمكن القول إن ردود فعل المتظاهرين المسلمين الآخذة في التزايد ربما تعبر أيضاً عن الغضب في العالم العربي والاسلامي من صورة الارهابي المتخلف التي يحاول الغرب الصاقها بهم، بحسب بعض المزاعم.
يدعي ناشرو الرسوم الكاريكاتورية أن من حقهم القيام بذلك باسم حرية التعبير واحتجاجاً على الرقابة الذاتية التي يفرضها الأوروبيون على أنفسهم ازاء الاسلام. بيد أن حرية التعبير ـ مهما كانت مهمة ـ تحتاج إلى حدود. فالجاليات اليهودية في العالم كله، ودولة اسرائيل الرسمية أيضاً، اظهرت دائماً حساسية وشجبت بشدة كل المنشورات اللاسامية والمعادية لليهود في أرجاء العالم. في هذا السياق لا يحق لاسرائيل اتخاذ سياسة المعايير المزدوجة لا سيما وأنها تقف بشكل عام في جبهة المتضررين من مثل هذه الأعمال.
ثمة مخاوف كبيرة في أرجاء أوروبا من عناصر موجودة في أوساط الأقليات المسلمة التي تريد فرض نمط حياتها وثقافتها على شعوب أوروبا التي تعيش تلك الأقليات في وسطها. وتستند هذه المخاوف، من جملة الأمور، إلى قضية ملاحقة الكاتب سلمان رشدي، اغتيال المخرج الهولندي تيو فان غوغ، والصراع الدائر حول حظر ارتداء الحجاب في المؤسسات العامة بفرنسا.
في وسائل الاعلام العربية، ومن ضمنها الفلسطينية، يُنشر عدد لا يُحصى من الرسوم الكاريكاتورية وكذلك مسلسلات تلفزيونية ذات طابع معاد لليهود، لا تقل بكثير عن المنشورات والرسومات الكاريكاتورية المُدانة للنازي "در شتيرمر". هذه المنشورات جديرة بكل شجب وادانة. لكن المخاوف في دول أوروبا من الأقليات المسلمة، الخشية من ارهاب متعصبي القاعدة والمنشورات المعادية لليهود في الدول العربية، لا تبرر الحرب المسيئة للدين.