عندما ظهرت "الصور المسيئة" في صحيفة دنمركية فإنها نقلت بالفعل لونا ثقافيا لا نستطيع تجاوزه، رغم التظاهرات والاحتجاجات واعتبار الأزمة الأخطر في تاريخ الدنمرك حسب رئيس وزرائها. فتحليل الموقف لما يحدث يقدم مؤشرين اثنين:

 الأول أن التعبير الثقافي وإن كان مسيئا لكنه ينقل الصورة الجديدة لتفكير الآخر بمسألة تعتبر بمنتهى الحساسية بالنسبة للشعوب الإسلامية. والرسوم جاءت حصيلة سنوات الحرب على الإرهاب وما قدمته من نماذج ثقافية سواء عبر التصريحات الصحفية المرافقة للحرب، أو ما واكبها من حملات إعلامية شكلت صورة ذهنية جديدة لـ"الإنتاج الثقافي" الإسلامي.

  الثاني أن التعامل مع الأزمة لم يكن خارج التأثيرات المتوقع لـ"ثقافة الحرب" المنتشرة منذ أحداث 11 أيلول. وهي ثقافة لا ترتبط بحدث تفجير برجي التجارة بقدر ارتباطها بطبيعة التفكير للإدارة الأمريكية التي تقدم نموذجا قائما على "الحرب الدائمة" سواء كانت ثقافية أو سياسية أو حتى عسكرية. فحجم الاحتجاج لم يكن فقط لظهور الرسوم بل تفجير غضب مختزن من شكل الحرب القائمة التي خلقت فرزا حضاريا واحدا، وتصنيفا نمطيا للعالم وكأنه شكل إمبراطوري يعود للقرون الوسطى.

الرسوم في النهاية هي حدث فردي لكن الخطير فيه هو السياق العام الذي حمله إلى "عالم إسلامي" فقد بشكل تدريجي فضاءه الثقافي منذ بداية القرن العشرين، ليجد مع بداية القرن الواحد والعشرين أن الدفاع عن ذاته مستحيل وسط عولمة كاملة للقيم والاقتصاد وحتى لـ..."الهوية".

فالحركات التكفيرية و "الجهادية" ليست فقط نتيجة واقع استبدادي كما يقول الليبراليون، كما أن التنمية ربما تلعب دورا في الحد منها، لكننا في النهاية أمام أزمة ثقافية تحتاج إلى حل ... لأن الإسلام الذي يشكل اليوم "الآخر" بالنسبة للشعوب التي اصطلح على تسميتها بـ"الغربية" يواجه أمرين:

– طبيعة السياسة "التبشيرية" التي حملها المحافظون الجدد عبر تصريحاتهم، وربما أقواها شكل الخطاب للرئيس جورج بوش منذ انتخابه للمرة الأولى. هذه السياسة لا تتجاهل فقط السياق التاريخي للثقافات العالمية، بل تعتقد أيضا أن أحداث التبدل الثقافي ممكن عبر فرض "النماذج" الجاهزة ولو بالقوة.

– طبيعة الإنتاج الثقافي الإسلامي المنحسر أساسا عن الساحة العالمية، فهذه النتاج هو أسير الأشكال النمطية التي تشعر بأنها مهددة بشكل دائم من أي شكل ثقافي جديد، فبدلا من الدخول في عمليات التفاعل الاجتماعي والثقافي لفهم الآخر ترتد تلقائيا إلى إعادة إنتاج تراثها متجاوزة الوزاقع الزمني الذي تعيش فيه.
في زمن الحروب الصليبية أنتج الأمام الغزالي "إحياء علوم الدين" ... وربما لا نحتاج اليوم لمؤلف مشابه لأنه موجود أصلا ولأن الحروب اليوم رغم تأكيدات الظواهري "ليست صليبية" ... نحن بالفعل نعيش زمن حرب لكنها على سياق جديد ووفق أساليب تتناقض أحيانا حتى مع أي مفهوم نعرفه سابقا ... إنه زمن الحروب الاستباقية وربما نحتاج إلى إنتاج ثقافي استباقي!!!