تشعر سورية انه من اجل ان تستقيم امورها كدولة، يجب ان يكون لها نفوذ مطلق في لبنان، وتأثير حاسم على الجانب الفلسطيني، وشيء من القرار في الاردن. وكان العراق يشعر ان حجمه السياسي «الطبيعي»، لا يكتمل الا اذا احتل الكويت واخاف الخليج وأعد الانقلاب الثاني في موريتانيا. وظلت ليبيا الجماهيرية تدق ابواب الوحدة في الليل والنهار. تتظاهر في مصر. وتقاتل في التشاد. وتوقع في المغرب. وتتعالى في تونس.

وتنصح الليبيين بالسفر الى العمل في السودان. وأراد السودان بزعامة وإلهام الدكتور حسن الترابي، ان يكون هو قائد الوحدة لا موضوعها، وان يجند الفتيات من اجل ان يوحد ذات يوم بلاد افريقيا والعرب. وكان يقف في طريق هذه الوحدة العظيمة اهل السودان، مثل المهدي والميرغني والنميري وسواهم، فطردهم من بلدهم وبيوتهم.

وكانت مصر الناصرية تقنن الارز واللحم والزيت على شعبها من اجل ان تقاتل في اليمن من جانب، وفي الكونغو من جانب آخر. واتهمت بالخيانة كل من عارضها، وخصوصا البعثيين. وادخلت الشيوعيين والاخوان المسلمين الى سجن واحد. وتحول العالم العربي الى سجن كبير. وكانت منظمة التحرير تريد فلسطين، لكنها رأت ان الطريق لا يمهّد الا بحرب في الاردن وفي لبنان وبتأييد صدام حسين في الكويت. وحررت جزائر بومدين نفسها من فرنسا، لكنها رأت ان حريتها لن تكتمل اذا لم ترعب تونس وتخوض حربا مع المغرب.

ظاهرة لا مثيل لها في العالم المعاصر، كل دولة ترى قوتها وحتى وجودها ومكانتها عند جارتها. او حتى في موريتانيا. وكل فريق سياسي يحاول ان يحرر سواه اولا. وكل قتال من اجل فلسطين او باسمها، كان قتالا خارج فلسطين وبعيدا عن طريقها. واعتقد ان العالم العربي لن يرى الراحة والتقدم، الا عندما تقرر كل دولة ان الاولوية لشعبها وحريته وتقدمه. وعندما يتقدم كل شعب في دولته نتحول جميعا الى وحدة من المتقدمين والاحرار. اما الآن فنحن مجموعة من الفقراء نسافر في بواخر غير قابلة للابحار، او نسافر بالآلاف (نعم الآلاف) على سطوح القطارات، فيما يقدّر للمواشي والبهائم عربات خاصة.

المحتاجون والفقراء واصحاب احزمة الفقر والعاطلون الازليون عن العمل، لا يشكلون وحدة. الذي لا يملك شيئا لا يستطيع ان يعطي شيئا. والنهضة تبدأ داخل العتبة لا خارجها. لا نستطيع ان نرسل الى الشوارع البطالين والمتسولين والمحتاجين والفقراء ونطلب منهم ان يفيدوا الوحدة بأكثر من هتاف. اذا بقيت لهم قوة ان يهتفوا.