أبقى مع الحملة على الاسلام والمسلمين يوماً آخر وأمهد، كما فعلت امس، بتظاهرات الاحتجاج على الصور الكاريكاتورية التي نشرتها جريدة دنماركية، وأعادت نشرها صحف ومطبوعات عدة في تحدٍ لمشاعر المسلمين حول العالم.

أدين النشر وأدين التظاهرات.

حرية الكلام، أو حرية الصحافة، محسومة ولا يمكن ان نعتبر قضية تُختبر بإهانة نبي ودينه. والتظاهرات ردّت على الاساءة بأسوأ منها.

كنت تركت لندن الأحد وجرائد ذلك اليوم ملأى بصور تظاهرات اليوم السابق، ورأيت صوراً لمتظاهرين يحملون لافتات تقول «اقطعوا رؤوس من يسيء الى الاسلام»، وأيضاً «اذبحوا من يسيء الى الاسلام»، و «أبيدوا من يسيء الى الاسلام»، مع لافتات أخرى تهدد الاوروبيين.

هذه الشعارات هي ما يريد أعداء الاسلام والمسلمين، فهم سيجدون فيها دليلاً على ان المسلمين ارهابيون، وأن دينهم ارهابي يريد قطع الرؤوس عقاباً على الكلام او الصور.

أصر على أن الصور الكاريكاتورية تعكس جهلاً فاضحاً لا مؤامرة، وان اعادة نشرها استفزاز غير مبرر، ولكن الحملة الأخطر هي تلك التي يخوضها المحافظون الجدد وكتّاب الليكود في أميركا، وقد نبهت امس الى نحتهم عبارة «الاسلام الفاشستي» (اسلامو فاشزم)، ثم وضع مقارنات متعمدة بين الاسلام «المتطرف» والنازية واحياناً زيادة ستالين على هتلر.

الليكودي المتطرف مايكل ليدين جمع كل هذا في مقال واحد عنوانه «عندما يختار الناس بحرية الطغيان» توقفت منه كله عند اشادته الى العمل 15 سنة في ايطاليا لدرس ارشيف الفاشية كمساعد لأحد مؤرخي النازية. هو زعم انه درس «الشر» 15 سنة، الا انه لم يقل ان الاستخبارات الاميركية نفسها اعتبرته عميلاً لدولة اجنبية هي اسرائيل، مما يمنعه من قراءة وثائق سرية.

هو اسرائيلي الهوى والالتزام قبل ان يكون اميركياً، وقد قرأت له مقالاً بعنوان «افعلوا الشيء الصواب» يبدأ بهذه الكلمات «خطوة بعد خطوة سنصل الى مواجهة محتمة مع ايران...». ما يقول هو ان «الشيء الصواب» ان تهاجم الولايات المتحدة ايران، وهذا يعني ان ترد ايران ويقتل شباب اميركا مرة اخرى من اجل اسرائيل، فالمنطق يقول ان ايران بأسلحة نووية قد تهدد اسرائيل الا انه يستحيل ان تهدد اميركا. بكلام آخر يريد ليدين ان تمنع اميركا خطراً على اسرائيل على حساب أرواح الاميركيين ومصالحهم.

ليدين وقح بامتياز، فهو طلع في المقال نفسه بعبارة عجيبة تزعم ان لايران مدافعين اقوياء واعتذاريين هم روسيا والصين والمملكة العربية السعودية. طبعاً هذا غير صحيح، غير ان جمع السعوديين مع الروس والصينيين في طبخة بحص عمل مقصود ومتكرر.

أتوقف هنا لأضحك مع القراء على ليدين، أو لنشمت به، ففي مقال له حمل تاريخ التاسع من الشهر الماضي عنوانه «لحظة من الزمان» كتب يقول: «ان إيرانياً أثق به بلغني ان اسامة بن لادن ترك هذا العالم في اواسط كانون الاول (ديسمبر)». ولم تمضِ أيام حتى كان أيمن الظواهري، ثم بن لادن، يذيعان اشرطة تثبت بقاءهما على قيد الحياة.

الظواهري وبن لادن ارهابيان مجرمان ليست فيهما ايجابية واحدة سوى إغاظة ليدين وهو ينعى بن لادن وهذا يكذبه.

كل ما أقول في ليدين وأمثاله هو انهم ديموقراطيون، فالحملة على الاسلام والمسلمين تساوي بين الجميع، سنّة وشيعة وعرباً وغير عرب، وان لم تكن المملكة العربية السعودية مستهدفة (لا شيء يطمئنني الى صواب السياسة السعودية اكثر من ان تهاجمها عصابة اسرائيل) فإيران هدف كبير دائم.

الليكودي تشارلز كراوتهامر كتب في «واشنطن بوست» ان ايران «على الارجح بعيدة مجرد اشهر» عن انتاج قنبلة نووية. هذا الاسرائيلي الهوى يعرف ما لا يعرف جون نغروبونتي، رئيس الاستخبارات الاميركية كلها، الذي صرح امام مجلس الشيوخ بأن قدرة ايران غير معروفة، وأجهزة الاستخبارات كافة تقول انها على بعد سنوات، هذا اذا كانت فعلاً تريد انتاج قنبلة ولا تنفذ برنامجاً نووياً سلمياً.

وكنت كتبت عن وليام كريستول، الذي قرر في مطبوعته المتطرفة «ويكلي ستاندارد» ان «الآن دور ايران»، وزاد: «اننا لا نستطيع ان نستبعد الخيار العسكري»، وأصر على «اننا» هنا تعني اسرائيل لا الولايات المتحدة.

طبعاً عندما يكون الموضوع ايران، فلا بد من ان يهاجم الدكتور محمد البرادعي، رئيس وكالة الطاقة الذرية الدولية، مع انه فاز بجائزة نوبل للسلام تقديراً لعمله. والآنسة آن باييفسكي اتهمت كوفي انان بالطعن بالظهر (ظهر اسرائيل؟) في موضوع ايران، وعطفت على الدكتور البرادعي «تابعه» لأنه يصر على معرفة الحقيقة لا تنفيذ اغراض اسرائيل. أما كنيث تيمرمان فجمع النقاط النووية، وعرف ما لا تعرف اجهزة الاستخبارات عن برنامج ايران، لينتهي الى القول: «ان الدكتور البرادعي هو الرجل الوحيد الحي في موقع مسؤولية الذي لم يربط النقاط النووية الايرانية».

المادة كثيرة تصعب الاحاطة بها كلها. وعندما لا يكون الهدف الاسلام والمسلمين أو المملكة العربية السعودية أو ايران او مصر (امامي مقال لنوني دوريش يهاجم التلفزيون الارهابي المصري) فهناك الفلسطينيون. وقد هاجم المتطرف الليكودي دانيال بايبس ايران كغيره، وعطف على رأي البابا في الاسلام، وأكمل بالفلسطينيين بعد فوز «حماس». وقرأت مقالات افضل وأكثر موضوعية لاسرائيليين في صحف اسرائيلية.

وأختتم بمنصور إيجاز (او إعجاز) الذي كتب في «ناشونال ريفيو» أحد أبواق المحافظين الجدد مقالاً طويلاً يحرض على ايران، ويحدد نوع الأهداف التي يجب ان تضرب وعددها، ففي رأيه ان «زمن الكلام والمفاوضات انتهى».

رأيي انه «عم توم» أو «واطي»