ليس صدفةً أن تفوز "حماس" بالانتخابات التّشريعيّة، بما أنّها جسّدت منذ زمن ٍ قيماً وتفسيراً، مبادئ جديدة لحركة التاريخ، استطاعت عبرها قولبة وعي أيديولوجي مقاوم، يعبّر عن نبض الشارع، فالمنطقة كلّها مستعرة بالحروب الباردة، من أفغانستان إلى العراق إلى سورية ولبنان، بين المحور السوري الإيراني وحلفائهم في لبنان مع تشعّباته العراقيّة والفلسطينيّة والمحور الأميركي – الغربي – السعودي، ومحاكيهم الدّاخليّين. هذه الحروب غير المتكافئة، إضافةً إلى نكسة العام 67، واتّفاقيّة كامب دايفيد الإستسلاميّة، وأوسلو 93 ورّثت الأرضيّات الملائمة لاقتناع "فتح" و"حماس" وغيرهما، بعدم جدوى المفاوضات السلميّة مع طرف أقوى، فاندلعت الانتفاضة الثانية، وها هي "حماس" الآن في قلب السلطة التشريعيّة والتنفيذيّة!؟

لقد أصبح من البديهيّ وضع سياسة فلسطينيّة، تتآزر فيها رؤى جميع الفصائل المؤثرة في المعادلة الداخلية، فعمليّة التحرير وإقامة الدولة لن تتوقف، لكن على الجميع أن يدرك بأن خير وسيلة لذلك هو تغيير النهج بما يتلاءم مع الظروف الإقليميّة الدوليّة، أي بتوجيه البندقيّة نحو القوّات المسلّحة فقط وتحييد المدنيين، مع تركيز العمليّات داخل حدود العام 6، نتيجة الإقتناع السياسي المتبادل بالحتميّة التاريخيّة، للتعاون، والتوزيع الإداري والأمني والمالي والسياسي للقيم السلطويّة (حذار من التصادم الداخلي...)، والإنتخابات خير دليل، فلا دولة للفلسطينيين دون "فتح" المعارضة، المفاوضة سلميّاً، ولا أمن للإسرائيليين دون "حماس" الحاكمة والمقاومة شرعيّاً، واستطراداً، فالقلق والهواجس الداخليّة عند البعض في لبنان، لاستخدام الوجود الفلسطيني، كمطيّة للعبث بأمنه واقتصاده وسلمه الداخلي، لن تؤتي ثمارها، والساعون لللإصطياد في الماء العكر مخطئون في حساباتهم، لأنّ الفصائل أيقنت أو هي مجبرة على الإيقان بأن خير وسيلة لاستعادة الحقوق هي العمل في الداخل الفلسطيني فقط، لتطبيق القرارات 194 و 242 و 338، إن بالسياسة ("فتح" )، أو بالسلاح ("حماس")، لتحرير أرضهم، وعودة لاجئيهم إلى ديارهم، فانسحاب إسرائيل من كافة الأراضي العربيّة، مع عدم ارتكاب الخطايا المميتة التي ارتدّت على الفلسطينيين واللبنانيين، حروباً إستنزافية، فالأجدى لهؤلاء، ألا يستعملوا ورقة الفصائل، لا في لبنان ولا في سورية، لأن الفلسطيني الرازح تحت الإحتلال منذ الـ 67، ليس بحاجة إلى مساعدة من أحد، بعدما أهمل من العالم والعرب خصوصاً، منذ العام 1948، فالأجدى بهم إذا العمل على إطلاق مقاومة ٍسوريّة شعبيّة ومدنيّة في الجولان، بدل الحفاظ على هذا الفصيل أو ذاك، أو دعم هذه السياسة او تلك!؟

الجميع مدعو(وله مصلحة في ذلك)، لدعم تحرير الضفّة، بقوّة السلاح من الداخل، وبقوّة القلم والدبلوماسيّة والإعلام سلميّاً من بلدان الجوار، فقوى الـ 14 من آذار لها مصلحة في عودة اللاجئين وسحب ورقة الفصائل نهائيّاً من الذي يبتزّهم بها لمصالحه الآنيّة والمحدودة في المكان والزمان، والقوى الإقليميّة التي تظلّل حالة 8 من آذار، لها مصلحة في دعم تطبيق قرارات الشرعيّة الدوليّة، ولكن دبلوماسيّاً وقانونيّاً دون ضغوط أو ابتزازات أمنيّة – عنفيّة على أراضي السيادة اللبنانيّة، لأنّ ذلك سيجبر إسرائيل على الإنسحاب من الجولان على سبيل المثال لا الحصر.

هذه هي العقليّة والإيديولوجيّة العربيّة الجديدتان اللتام يتوجب أن يتأطّر بهما الصراع العربي – الإسرائيلي في المستقبل.