بين تاريخية الغيتو والهولوكست أوروبا #1 عزلت ثم ذبحت والعالم العربي دفع الثمن:
لازال حتى هذا التاريخ هنالك مسألة يهودية في أوروبا / بدايات الغرب الرأسمالي والاستعماري / تجلت في عزل ثم في ذبح والآن في تبكيت ضمير!! و( النزعة السامية) تشكل حدا معرفيا وقيميا أوروبيا، ولحقتها أمريكا منذ ستينيات القرن العشرين بعد أن أهدت فرنسا مفاعلا نوويا لإسرائيل وأصبح المس بالمسألة اليهودية مسا بالحضارة الغربية كلها والتي أصبحت الآن حضارة الكون بلا منازع، وتحولت النزعة السامية إلى حد كوني. على العالم كله أن يدفع ثمن اللاتسامح الأوروبي تجاه اليهود منذ القدم منذ العزل في غيتو!! وعلى العالم أن يدفع ثمن الهولوكست الأوروبي أيضا، والعرب عموما والفلسطينيين خصوصا عليهم قبول الحل الأوروبي للمسألة اليهودية / بقيادة بريطانيا وفرنسا / منذ وعد بلفور الذي فك أزمة بريطانيا المالية خلال الحرب العالمية الأولى من جهة وقدم لأوروبا حلا للمسألة اليهودية غير مكلف لها بل على العكس مربحا تماما. هذا الحل الذي لم يعجب هتلر لاحقا على ما يبدو!! ولا كثير من الدول الأخرى ولكن السيادة كانت لفرنسا وبريطانيا التي لاتغيب عنها الشمس أمبراطوريا.

يقول فوكوياما في مقابلة مع الصحفي سام منسى:#2 [ وإذا ما عدنا إلى الماضي حوالى خمسة وسبعين عاما، مثلا أثناء بداية الفاشية في أوروبا، سنجد أن هناك نظاما متسامحا أكثر في مدن معينة كاسطنبول التي كانت قلب العالم الإسلامي أكثر من ألمانيا أو بلجيكا أو اي منطقة في ما يعرف بأوروبا الليبرالية.] دون أن يذكر بالطبع من المقصود بالتسامح والمعروف أن إستنبول فيها كل الأديان والطوائف والقوميات أيضا في ذلك الوقت من تاريخها.

ليس مهما العودة لتاريخية المسألة اليهودية بما هي مسألة أقلية دينية / غيتوية / خربت على أوروبا مسيحيتها منذ البدايات. وقبل أن تتعلمن هذه الأوروبا. كان هنالك مسألة يهودية / يمكن الرجوع لدراسة / باور ـ ماركس / حول المسألة اليهودية منذ ستينيات القرن التاسع عشر.
المهم الآن ما يجري دوما من حديث يقتنع به بعض العرب و بعض أصحاب النفوذ من اليهود أنهم بأموالهم إنما يديرون العالم ويصدقهم العرب في ذلك عندما يكتبون صباحا ومساءا عن سيطرة اللوبي اليهودي على القرار السياسي الأمريكي والأوروبي أيضا، وكأن المواطن الأمريكي كالمواطن العربي / يمكن أن يسيطر عليه حفنة من رجال المال اليهود و بعض العرب وحدهم مكتشفي هذا الاكتشاف بأن أمريكا محكومة من حفنة من الرجال اليهود والمواطن الأمريكي في غفلة من ذلك!!

وتبدأ جدليات العلاقة التآمرية بين اليهودية والماسونية في حكم العالم وبراءة القرار الغربي عموما والأمريكي خصوصا من الدم الفلسطيني والدم اليهودي أيضا لأن من يموت هم الفلسطينيين واليهود وليس الأوروبيين والأمريكيين! القرار الغربي بريء لأن القرار ليس بيده بل بيد اللوبيات اليهودية في أوروبا وأمريكا. وهذا من العوامل المهمة التي يحرص الغرب على استمرارية ( عدم التطرق للمسألة اليهودية وقضايا الهولوكست..الخ ) ليس لأن اليهود هم من يحكمون أوروبا بل لأن الغرب: أراد حلا... بعد أن بحث الغرب طويلا عن حل لهذه المسألة..كما بحثت فاتن حمامة في فيلمها الشهير: أريد حلا..وكان هذا الحل دولة يهودية خارج أوروبا وكانت فلسطين بما لها من دلالات دينية تساعد الغرب في حله الذي اختاره للمسألة اليهودية.

بالطبع هذا لايعني عدم وجود لوبي يهودي له تأثير ما على السياسات الغربية عموما والأمريكية خصوصا لكن تأثيره ليس خارج سياق الحل الغربي للمسألة اليهودية في فلسطين. بعبارة صافية: لم تكن الغيتوات اليهودية في المنطقة العربية مختلفة كثيرا عن نظيرتها في أوروبا. ولم يكن تعامل الشعوب الأوروبية مختلفا كثيرا عن تعامل الشعوب العربية مع هذه الغيتوات!! نفس درجة التسامح!! ونفس درجة العزل عندما يكون العزل دينا وثقافة عند الطرفين اليهودي والمسيحي في أوروبا والمسلم واليهودي في البلدان العربية. وإلا لماذا يهاجر اليهودي المغربي والمصري والسوري واليمني إلى إسرائيل؟ ولماذا هاجر اليهودي الأوروبي أيضا وترك وطنه وأصبح له وطن وحيد: أو أكتشف أنه لم يكن له سوى وطن واحد / الرابطة الغيتوية /.

الغيتوية ثقافة عمرها من عمر انكفاء الديانة اليهودية وغلقها بأنظمة القرابة الأصلية / الأم والدم / بعد مجيء المسيحية والإسلام.

اليهودي لن يقبل بالتنازل عن دولته هذه لأنه لايريد العيش من جديد في غيتو أوروبي أو عربي حتى لو قبلت أوروبا بذلك.

نحن طرفا الحل العرب الفلسطينيين واليهود وعلينا إيجاد حلا أخلاقيا وسياسيا بوقف الدم أولا. وقيام دولة بشعبين أو دولة لكل شعب. لهذا تأتي تصريحات الرئيس الإيراني وكأنها تصب النار على الزيت، ولا تقدم حلا للمسألة الفلسطينية ( تبادلية الغرب في حله للمسألة اليهودية: خلق المسألة الفلسطينية والمسألة اليهودية أيضا ولكن خارج محيطه السابق!! الأوروبي ). وهذا التصريح للرئيس الإيراني إنما ياتي لحسابات إيرانية فقط / خاطئة أو مصيبة الإيرانيون أدرى بمصالحهم.
ولكن نحن الآن في ظل هذه العودة لخلط الأوراق وتداخل ذلك مع ما يحدث احتجاجا على الرسوم التي أساءت إلى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وقضية الدانمرك. وبدأ الحديث من جديد حول: صراع الأديان والحضارات، وإن المرء لا يستطيع الحديث عن المسألة اليهودية لأن اليهود هم القابضين على دفة الحكم في العالم.

المرء لايستطيع ليس لأن اليهود يقبضون على دفة الحكم لهذا العالم بل لأن النظام المعرفي والقيمي الغربي بعد الهولوكست [ رسم هذا الحد في عدم التعرض لعقدة الذنب الغربية المركبة هذه ]
وأصبحت المنطقة العربية الآن داخل المجال الحيوي الأوروبي ويريدون للحل أن ينتهي!! أو لاينتهي ليس هذا هو المهم ولكن لايريدون تذكر التاريخ الأوروبي القريب في زيارتها الأخيرة لإسرائيل صرحت المستشارة الألمانية ميركل [«وجود دولة إسرائيل كان وسيظل إحدى الركائز التي لا تـمس للسياسة الألمانية ويمكنكم أن تكونوا واثقين من ذلك، وأقول ذلك باسم الحكومة الألمانية وباسم الشعب الألماني، معربة عن «خجلها البالغ».] والأمر لايخص العرب وحدهم بل يخص الأوروبيين أيضا. والدليل لايوجد دولة أوروبية إلا ولازال فيها أحزابا نازية ومتطرفة أيضا ضد اليهود والملونيين وأمريكا على حد سواء ولا أحد يعتقلهم أو يقاطعهم.

كما لايعني هذا عدم وجود ألاعيب سياسية في تاريخ المسألة اليهودية من ذوي النفوذ المالي والسياسي من يهود وغير يهود، والحديث عن لعبة الأمم أو المؤامرات الماسونية..الخ ولكنها ألاعيب في نفس السياق ونفس النظام المعرفي المصلحي السياسي: في الشكل الغربي لحل المسألة اليهودية خارج أوروبا.

على هذا الأساس كتبت الدانمارك بريئة.. لأن غالبية من هاجوا وماجوا وهددوا الدنمارك بالعنف هم أنفسهم لا يعترفون بالأديان الأخرى..!!
وتحدوا العالم على اكتشافهم بأن المرء لايستطيع الكتابة عن المسألة اليهودية: لأن اليهود هم الذين يتحكمون بالقرار العالمي!!

ربما لانكتب حول المسألة اليهودية لأن رأينا ليس فقط لايعجب الغرب واليمين الإسرائيلي فقط، بل والعرب أيضا. لأنني أرى أن الحل الغربي لمسألة اليهودية في أوروبا قد دفع ثمنه الشعب الفلسطيني واليهود الأبرياء. وما كان لهذا الرأسمال الربوي لعائلة روتشيلد أن يأخذ وعدا من بلفور بالقوة لولا توافق هذا الأمر مع حل قدم على طبق من ذهب لبريطانيا ودعمته أوروبا لاحقا
وهذا الحل الذي أتى في سياق ما يعرف بالاستعمار القديم / بريطانيا لم تحل المسألة اليهودية بإعطائها اليهود قطعة أرض من أرض بريطانيا العظمى / فلسطين كانت ضمنها / بل دعمت نشوء هذه الدولة، وزادتها فرنسا بأن وردت لها السلاح النووي والذي لم تكن أمريكا وقتها موافقة على الخطوة الفرنسية وحاولت منعها بأساليب دبلوماسية واستخبارية وفشلت بذلك. من كان يستطيع أجبار بريطانيا وقتها بالتخلي عن قطعة أرض واحدة من أمبراطوريتها التي لاتغيب عنها الشمس؟
وما جاء لاحقا معروف أقصد الهولوكست والذي لايهم عدد ضحاياه في سياق حقيقة الواقعة والجو الذي كان سائدا في أوروبا في الحرب العالمية الثانية، فهل مهم 100 ألف أم مليونان..الخ هذا لايهم إلا من الزاوية الإنسانية. أما الزاوية السياسية والأخلاقية والقيمية والقانونية فهي واحدة سواء كانت الجريمة حصدت ألف أو مليون ونصف..الخ

ولا أريد الدخول بتغير الموقف الأوروبي من القضية الفلسطينية في العقدين الأخيرين لأن لهذا أسبابه الأوربية المتعددة ومنها توسع مجالها الحيوي الذي وصل الآن إلى حدود سوريا بعد انضمام تركيا لهذا المجال الحيوي. ومع ذلك أهلا وسهلا بهذا التغير ونتمنى أن يستمر، ولكن قسم من العرب واليمين الإسرائيلي لا يريد لهذا التغير أن يتعمق إيجابيا تجاه القضية الفلسطينية. وعلى العرب بالتالي التخلي عن مقولة أن اليهود يسيطرون على القرار العالمي عموما والأمريكي خصوصا. وعلى العالم المتحضر يساعد من أجل حل عادل للقضية الفلسطينية.

وفق هذه الصورة علينا إعلاء ثقافة الإنسان بلا عنف ولا إقصاء ولا تمييز من أي نوع كان لاديني ولا عرقي.. لذلك الحديث عن هذه المسألة سيبقى حيا ما لم تحل المسألتان الفلسطينية واليهودية.. وهذه مهمة العالم المتحضر..هل هو موجود...؟؟

على كل حال يبقى الأمر في حيز الرأي.. وللرأي عزاء إذا أخطأ أنه يفتح حوارا.. وهذا يكفيه..
هوامش:
ـ عندما نقول أوروبا إنما نتحدث عن سياق تاريخي سياسي اقتصادي عسكري أيديولوجي وليس اوروبا كشعوب.