إن برنامج إيران النووي الذي يثير حفيظة الغرب الآن ويهدد بمواجهة قد تبدأ سياسية وقد تنتهي بمواجهة عسكرية لا يعرف إلا الله مداها ليس وليد ساعته. فذلك البرنامج ابتدأ فعلياً أواخر الستينات وأوائل السبعينات في أيام حكم الشاه الحليف القوي للولايات المتحدة (بل انه كان برعايتها ومعرفتها وضمن معاهدات واتفاقيات ثنائية موقعة بين الطرفين).

وقد تم في العام 1967 بناء أول مفاعل نووي (بقوة 5 ميغاوات) قامت الولايات المتحدة بتزويد إيران به وتركيبه. وفي العام 1968، وقعت إيران على اتفاقية الحد من انتشار الأسلحة النووية. وفقاً للوثائق التي رفعت عنها السرية مؤخراً، شجعت الولايات المتحدة إيران بالفعل على توسيع مصادرها من الطاقة غير النفطية، بل قدمت للشاه حينها تقديراتها عن أن إيران ليست بحاجة الى مفاعل نووي واحد، لكن الى عدة مفاعلات!! وهدفت الولايات المتحدة من ذلك استعادة الملايين التي كانت قدمتها ثمناً للنفط الذي استوردته من إيران، خاصة بعد فورة الأسعار التي أعقبت الحرب العربية ـ الاسرائيلية في العام 1973.

شجع الموقف الأميركي هذا شاه إيران على الطلب من شركة سيمنز الألمانية (الغربية آنذاك) تزويده بمفاعلين نوويين أقيما في مدينة "بوشهر" بقوة (1200) ميغاوات لكل منهما. وخلال عامي 1974 ـ 1975، قامت مؤسسة الطاقة النووية الايرانية بتوقيع عقد مع معهد ماساشوستس للتكنولوجيا لتدريب الكادر الايراني الذي سيتولى الاشراف على إدارة المفاعلين قد الإنشاء. كما أدلت فرنسا بدلوها وقامت بتأسيس المركز التكنولوجي النووي في مدينة أصفهان في أواسط السبعينات وذلك لتدريب المهندسين الايرانيين.

كذلك، وقعت إيران مع فرنسا في العام 1974 (شركة فراماتوم) اتفاقاً لبناء مفاعلين نوويين بقوة (950) ميغاوات لكل منهما في مدينة الأهواز. غير أن اندلاع الثورة الاسلامية في العام 1979 حال دون الانتهاء من بنائهما. ومع نجاح تلك الثورة، توقف الغرب عن دعم أنشطة إيران النووية بل باشر بمعاداتها حيث رفضت شركة سيمنز (بضغط من الولايات المتحدة) تزويد إيران بالمفاعلين المتفق عليهما سابقاً، الأمر الذي اضطر إيران الى مقاضاتها في المحاكم الدولية التي لا تزال تنظر في القضية لغاية اليوم. وقد اضطرت إيران بعد انتهاء الحرب العراقية ـ الايرانية التوجه نحو الاتحاد السوفياتي (ولاحقاً روسيا) لاستكمال ما قد بدأه الغرب ورفض إكماله.

تصاعدت الحرب الكلامية بين الولايات المتحدة وأوروبا من جهة وبين إيران من جهة أخرى خصوصاً بعد قرار الحكومة الايرانية "رفع الأختام" واستئناف بحوث تخصيب اليورانيوم. فقد اعتبرت الادارة الأميركية الموقف الايراني بمثابة اختراق لخط أحمر وخطأً كبيراً في الحسابات. كذلك، هدد رئيس الوزراء البريطاني توني بلير قبل أيام بإحالة ملف إيران النووي الى مجلس الأمن الدولي ولم يستبعد أي خيار ضد إيران، علماً بأن إيران ـ وفقاً لمصادر ـ لم تنتهك أي بند من بنود المعاهدة الدولية لمنع الانتشار النووي. أما في اسرائيل فيدور جدل على كل المستويات السياسية والعسكرية حول ما يسمونه "مخاطر البرنامج النووي الايراني على الدولة العبرية". ومن منظورهم فإن الخطر الذي تمثله إيران النووية لاسرائيل مزدوج. فمن ناحية، فإن إيران التي تملك المعرفة اللازمة لصنع القنابل النووية (ناهيك عن انتاجها) ستحد، بلا شك، من قدرة اسرائيل على الردع ومن ناحية أخرى ستفقد اسرائيل ميزة كونها الدولة الوحيدة التي تمتلك سلاحاً نووياً في المنطقة.

مراقبون وسياسيون عرب يعتقدون أن وجود سلاح نووي في إيران سيشكل عامل توازن يمنع اسرائيل من إجراء مفاوضات وفق شروطها وفرض "السلام الاسرائيلي". ومن ناحية أخرى، يقول بعض الخبراء الاسرائيليين أن وجود السلاح النووي في إيران سيخلق نوعاً من توازن الرعب في منطقة الشرق الأوسط بحيث يساهم في استقرار المنطقة تماماً مثلما حدث طوال فترة الحرب الباردة بسبب وجود قوتين نوويتين عالميتين آنذاك.

ومرة جديدة، واضح في خلفية المشهد أن أحد أبرز أسباب الأزمة المتزايدة بخصوص "الأسلحة النووية" الايرانية يتجسد في سياسة المعايير المزدوجة والكيل بمكيالين التي يتبعها الغرب.