بعض الناس ترهبهم أجواء الصحوة الدينية ويكرهون كل مظاهرها ولا يستطيعون التمييز بين الجوهري والسطحي وكأنهم برغم استشرافهم للحركة الاجتماعية بوصفهم كتابا مفكرين «يا زعم» لا يستطيعون أن يدركوا أن لكل حركة دوافعها المتعددة وانحرافاتها أيضا، يضنون على الشعوب الرعاعية ان تغضب لهويتها وإنسانيتها لان هناك مصلحة على المحك يخافون أن تتبخر أرباحها، في الواقع ليس هناك من عاقل يحبذ أو يتوهم أن العنف أمر حضاري مندوب إليه أو تتحصل منه أية مكاسب على الإطلاق، لكن العاقل منا يدرك ان هذه «الهبّات» الشعبية التي تخرج من لظى جحيمها اليومي تحمل دلالات سياسية واقتصادية واجتماعية، انها تحمل في حناياها جروحا دفينة وغضبا عارما على قامعيها ومستنزفيها،

ان محمدا صلى الله عليه وسلم يصبح أبا لهذه الجموع وبلسما لجروحها وهي التي تدعي أنها خرجت «دفاعا» عنه، تعلم علم اليقين أن عقيدة محمد وشرعه صلوات الله عليه وسلامه هي حصنها ومشروعها المخلص، في دمشق وبيروت وجاكرتا وعواصم أخرى تخرج سيول الغضب التخريبي، فالشعوب «غلبانه وطفرانه» والشباب الذي يعيش «عمال على بطال» انهال على السيارات ومركبات الأمن والمباني وحتى حاويات القمامة لم تنج وكل ذنبها أنها تختزن مخلفات الأغنياء و«الشبعانين»، هذه المسيرات في معظم البلدان الإسلامية خرجت بأثر رجعي بعد ان منعتها الأنظمة ولم تستطع الأحزاب تنظيمها باسمها الحقيقي وهو «مظاهرات الجوع وفقدان العدالة الاجتماعية وغياب المشروع الاقتصادي الوطني» ان «صانعي الكوابيس» على حد تعبير الكاتب جمال خاشقجي ليسوا الشيوخ والدعاة والعلماء الذين «يوظفون الحق من اجل باطلهم» كما يزعم وسكوت العقلاء أمثاله ولو انه لم يسكت قط ليس بسبب خشيته من غضبة الغوغاء!! فقد رجح عليها دائماً مصالح الانفتاح الاقتصادي! ينعى علينا أولئك الكتاب الليبراليون! اننا غوغاء الأمة نجرهم مرة اخرى بعد 11 سبتمبر إلى مواجهة مع الغرب بعد ان قاومونا هم عقلاء الأمة بما لديهم «من فطرة وسماحة إسلامية» ثم غدونا نتحين فرصا أخرى، يصاب هؤلاء المثقفون غالبا بالزهايمر المزمن فينسون تماما أن الشعوب تتأثر في حركتها وسلوكها بأحوالها الاقتصادية ومستواها الاجتماعي، وان الأنظمة هي التي تلهب تلك الظهور وتسيطر على مقومات المعيشة وتوزيع الارزاق، ينسون ان سنن التدافع بين الحضارات البشرية تعتورها غالبا الحروب والدماء لا بسبب الدعوات النظرية في حد ذاتها ولكن أساسا بسبب محركات المصالح المادية وكيفية تقاسمها بين البشر، ويحزن خاشقجي لان الغوغاء فرضت شروطها بزعمه على الحكومات والعقلاء «وجروهما إلى أجندتهم الخاصة،

فالحكومات التي كانت مشغولة بفتح الأسواق، وتوقيع اتفاقيات التجارة الحرة، وجلب الاستثمارات الأجنبية وجدت أنفسها في حرب دبلوماسية من أجل نصرة رسول الله» وكله بسبب صناع الكوابيس الذين مارسوا «أسلوب محاكم التفتيش» والذين «غضبوا وخطبوا وبكوا» على الشاشات والمنابر وفضحوا الصامتين الغائبين عن نصرة الحبيب «من عقلاء الأمة طبعا!!»، ويدعوننا خاشقجي إلى حساب ما كسبناه وما خسرناه يا ويلتاه! لقد خسرنا مزيدا من الاستثمارات الأجنبية وسيكون الاختيار الأوروبي لإحدى الاقتصاديات الجديدة الناهضة كالهند أو الصين أو حتى فيتنام «يا بختها!» في ظل دخان الحرائق في بلادنا وسيزداد العالم الإسلامي فقرا بسبب هروب المستثمرين الذين حملوا المن والسلوى لشعوبه الفقيرة، وأنا «الهبلة» كنت أظن أن المنفعة تذهب خالصة لحفنة من الرأسماليين والمليارديرية الذين يستثمرون أكثر أموالهم أصلا في أوروبا وأمريكا!.