بين المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية الكثير من التقارب والتلاقي في المواقف في رأي اوساط شعبية وسياسية عربية متنوعة رغم الاختلاف الواضح في ما بينهما على صعيد النظام الحاكم في كل منهما، علما ان الاختلاف قد يكون في الشكل وليس في الجوهر. ذلك ان الاولى يحكمها نظام ملكي غير ديموقراطي منذ تأسيس الدولة على يد المغفور له الملك عبد العزيز آل سعود. والثانية، يحكمها نظام جمهوري غير ديموقراطي ايضا، الامر الذي يجعل تعاطيهما مع الشعب واحد في العمق. فالدولتان تنتميان اولا الى العالم العربي.

وتنتميان ثانيا، الى الاسلام. وتنتميان ثالثاً، الى الغرب الاميركي والاوروبي في كل ما يتعلق بالسياسات الدولية والاقليمية. والدولتان صارتا جزءا من محور عربي يسعى الى حل الصراع الفلسطيني – الاسرائيلي، واستطرادا العربي – الاسرائيلي، بطريقة سلمية اي من خلال مفاوضات اصحاب الشأن المباشرين مع اسرائيل برعاية دولية وجدية. ومن اجل ذلك توظّف السعودية علاقاتها الجيدة جدا مع اميركا والغرب عموما من جهة ، وعلاقاتها الجيدة مع العرب والمسلمين من جهة ثانية. ومن اجل ذلك ايضا توظف مصر علاقاتها الجيدة مع اسرائيل ومع الفلسطينيين على تنوعهم، الى علاقاتها الجيدة مع الغرب الاميركي والاوروبي.

الا ان التلاقي والتقارب المشار اليهما اعلاه لم يمنعا اختلاف مصالح كل من مصر والسعودية، ولاسيما في المرحلة الراهنة الحبلى بأكثر من تطور خطير على الصعيد الاقليمي. فما يقلق المسؤولين الكبار في المملكة اكثر من غيره حاليا هو الاثر الذي سيتركه حكم الغالبية الشعبية الشيعية في العراق له وتحكّمها في كل مجريات اوضاعه على الوضع الداخلي فيها ، وتحديدا على الاقلية الشيعية السعودية الموجود معظمها في المنطقة الشرقية التي عانت الكثير في الماضي بعيده والقريب بسبب الخلفيات المذهبية المعروفة والاختلافات.

اما ما يقلق المسؤولين الكبار في مصر فهو نجاح الاكثرية (غير السياسية طبعا) في فلسطين في الوصول الى السلطة وفي ممارستها. وذلك بسبب سيطرة القوى الاسلامية المتطرفة عليها ("الاخوان المسلمون" والتيارات الاصولية الجديدة) الامر الذي لا بد ان يشجع في شكل او في آخر الاسلاميين المصريين ، وهم اليوم القوة المعارضة الرئيسية بل الاقوى للنظام المصري الحاكم وتاليا لا بد ان يدفعهم الى الاصرار على الوصول الى السلطة باي طريقة مناسبة. والانتخابات العامة هي احدى الطرق المفضلة لديهم على الاقل في هذه المرحلة.

انطلاقا من ذلك يحاول المسؤولون في مصر المساعدة بكل الوسائل المتاحة لايجاد حل للمشكلة الفلسطينية اعتقادا منهم ان ذلك يسهل تهدئة المنطقة وفي الوقت نفسه يمكّن بلادهم او حكومتهم من التوجه بالسياسة طبعا ناحية الغرب بزعامة اميركا والعمل معه لحل مشكلاتها الداخلية على تنوعها. ولم يمنعهم فوز الاسلاميين الفلسطينيين ("حماس") في الانتخابات الاخيرة من متابعة محاولتهم المشار اليها رغم القلق الكبير الذي سببه لهم هذا الفوز. وانطلاقا من ذلك ايضا يحاول المسؤولون في السعودية بالتعاون مع قوى عربية واخرى دولية السيطرة على القوة المتنامية للشيعة العراقيين والحد من مضاعفات بل من مفاعيل التأثير الكبير الذي تمارسه الجمهورية الاسلامية الايرانية في عراق اليوم وعليه مستفيدة، للنجاح في ذلك، من اشتراك شعبها وغالبية الشعب العراقي في الانتماء الى المذهب الاسلامي الشيعي.

ما هي الخطوات التي تمكن مصر والسعودية من النجاح في تبديد قلقهما المفصل اعلاه؟

الخطوات كثيرة، تجيب مصادر ديبلوماسية غربية وعربية مطلعة. الا ان ابرزها في هذه المرحلة هو محاولة مساعدة سوريا وتحديدا النظام الحاكم فيها برئاسة الدكتور بشار الاسد على الاستمرار رغم الضغوط الحاصلة التي تمارس عليه من محلية واقليمية ودولية. وفي هذه المحاولة ترتيب العلاقة السيئة جدا بين دمشق والمجتمع الدولي من خلال اقتناع الاولى بتغيير سياسات عدة لها يتعلق بعضها بلبنان، وبعضها الاخر بالعراق وبعضها الثالث بالفلسطينيين ،وربما بعضها الرابع بايران. ومن شأن النجاح في ذلك ابقاء "الاخوان المسلمين" وكل الاصوليين في سوريا خارج السلطة، وعدم تكوين نموذج يمكن ان يحتذيه المصريون. ومن شأن ذلك ايضا مساعدة السعوديين على احتواء الوضع في العراق وتاليا على تلافي انتقال آثاره الى بلادهم.

الا أن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: هل ان الخطوة المذكورة اي استمرار النظام السوري قابلة للنجاح؟

لا احد يملك جوابا نهائيا عن هذا السؤال، تقول المصادر الديبلوماسية نفسها. لكنها تؤكد تجدد الاتصال بين دمشق وواشنطن في شكل او في آخر. وتشير الى ان الرئيس بشار الاسد يفكّر جديا في التعاون مع المجتمع الدولي في كل القضايا الخلافية معه، لكنه لم يهتد بعد الى المخرج اللائق لكل ذلك، او بالاحرى لم يقرر اعتماد اي مخرج لانه لا يزال ينتظر امورا ثلاثة هي الآتية:

طريقة تعامل اميركا والمجتمع الدولي عموما مع الاسلاميين الفلسطينيين (حماس) الذين فازوا بالغالبية المطلقة في الانتخابات الاشتراعية الاخيرة.

طريقة تعامل مجلس الامن ولاسيما الدول الخمس ذات العضوية الدائمة فيه مع الجمهورية الاسلامية الايرانية وخصوصا بعد التطورات السلبية الاخيرة بينهما التي كان اخرها احالة الملف النووي لايران على مجلس الامن.

طريقة تصرف مجموعة دول عدم الانحياز مع المجتمع الدولي حيال كل القضايا الاقليمية والدولية المعقدة.

تطور الوضع في العراق بعد الانتخابات الاشتراعية الاخيرة واحتمالات اما نجاح الاطراف العراقيين على تنوعهم في تأليف حكومة مستقرة تضع العراق على طريق الاستقرار وان طويلة، واما فشلهم في ذلك.

علما ان مصادر ديبلوماسية اخرى لا تؤمن بان حواراً سيبدأ بين دمشق وواشنطن وبان تفاهما سينتج منه ليس لان الاولى لا تزال "عاصية" بل لان الثانية اقفلت هذا الباب ولا تريد ان تفتحه ثانية.